صفحة جزء
[ عسل ]

عسل : قال الله عز وجل : وأنهار من عسل مصفى العسل في الدنيا هو لعاب النحل ، وقد جعله الله تعالى بلطفه شفاء للناس ، والعرب تذكر العسل وتؤنثه ، وتذكيره لغة معروفة والتأنيث أكثر ، قال الشماخ :


كأن عيون الناظرين يشوقها بها عسل طابت يدا من يشورها

، بها أي بهذه المرأة ، كأنه قال : يشوقها بشوقها إياها عسل ، الواحدة عسلة ، جاءوا بالهاء لإرادة الطائفة كقولهم : لحمة ولبنة ، وحكى أبو حنيفة في جمعه : أعسال ، وعسل ، وعسل ، وعسول ، وعسلان ، وذلك إذا أردت أنواعه ، وأنشد أبو حنيفة :


بيضاء من عسل ذروة ضرب     شيبت بماء القلات من عرم

، القلات : جمع قلت ، والعرم : جمع عرمة ، وهي الصخور ترصف [ ص: 151 ] ويقطع بها الوادي عرضا لتكون ردا للسيل ، وقد عسلت النحل تعسيلا ، والعسالة : الشورة التي تتخذ فيها النحل العسل من راقود وغيره فتعسل فيه . والعسالة والعاسل : الذي يشتار العسل من موضعه ويأخذه من الخلية ، قال لبيد :


بأشهب من أبكار مزن سحابة     وأري دبور شاره النحل عاسل

، أراد شاره من النحل ، فعدى بحذف الوسيط ، ك واختار موسى قومه سبعين رجلا ومكان عاسل : فيه عسل ، وقول أبي ذؤيب :


تنمى بها اليعسوب حتى أقرها     إلى مألف رحب المباءة عاسل

إنما هو على النسب ، أي ذي عسل ، والعرب تسمي صمغ العرفط عسلا ; لحلاوته ، وتقول للحديث الحلو : معسول . واستعار أبو حنيفة العسل لدبس الرطب ، فقال : الصقر عسل الرطب ، وهو ما سال من سلافته ، وهو حلو بمرة ، وعسل النحل هو المنفرد بالاسم دون ما سواه من الحلو المسمى به على التشبيه . وعسل الشيء يعسله ويعسله عسلا وعسله : خلطه بالعسل وطيبه وحلاه . وعسلت الرجل : جعلت أدمه العسل . واستعسل القوم : استوهبوا العسل . وعسلت القوم : زودتهم إياه . وعسلت الطعام أعسله وأعسله ، أي عملته بالعسل . وزنجبيل معسل ، أي معمول بالعسل ، قال ابن بري : ومنه قول الشاعر :


إذا أخذت مسواكها منحت به     رضابا كطعم الزنجبيل المعسل

، وفي الحديث في الرجل يطلق امرأته ثم تنكح زوجا غيره : فإن طلقها الثاني لم تحل للأول حتى يذوق من عسيلتها وتذوق من عسيلته يعني الجماع على المثل . وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لامرأة رفاعة القرظي وقد سألته عن زوج تزوجته لترجع به إلى زوجها الأول الذي طلقها فلم ينتشر ذكره للإيلاج ، فقال لها : أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة ؟ لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك يعني جماعها ; لأن الجماع هو المستحلى من المرأة ، شبه لذة الجماع بذوق العسل ، فاستعار لها ذوقا ، وقالوا لكل ما استحلوا : عسل ومعسول ، على أنه يستحلى استحلاء العسل ، وقيل : في قوله : حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك إن العسيلة ماء الرجل ، والنطفة تسمى العسيلة ، وقال الأزهري : العسيلة في هذا الحديث كناية عن حلاوة الجماع الذي يكون بتغييب الحشفة في فرج المرأة ، ولا يكون ذواق العسيلتين معا إلا بالتغييب وإن لم ينزلا ، ولذلك اشترط عسيلتهما ، وأنث العسيلة ; لأنه شبهها بقطعة من العسل ، قال ابن الأثير : ومن صغره مؤنثا قال : عسيلة ، كقويسة وشميسة ، قال : وإنما صغره إشارة إلى القدر القليل الذي يحصل به الحل . ويقال : عسلت من طعامه عسلا ، أي ذقت ، وعسل المرأة يعسلها عسلا : نكحها ، فإما أن تكون مشتقة من قوله : حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك وإما أن تكون لفظة مرتجلة على حدة ، قال ابن سيده : وعندي أنها مشتقة . والمعسلة : الخلية ، يقال : قطف فلان معسلته ، إذا أخذ ما هنالك من العسل ، وخلية عاسلة ، والنحل عسالة ، وما أعرف له مضرب عسلة : يعني أعراقه ، ويقال : ما لفلان مضرب عسلة ، يعني من النسب ، لا يستعملان إلا في النفي ، وقيل : أصل ذلك في شور العسل ثم صار مثلا للأصل والنسب . وعسل اللبنى : شيء ينضح من شجرها يشبه العسل لا حلاوة له . وعسل الرمث : شيء أبيض يخرج منه كأنه الجمان . وعسل الرجل : طيب الثناء عليه - عن ابن الأعرابي - وهو من العسل ; لأن سامعه يلذ بطيب ذكره . والعسل : طيب الثناء على الرجل . وفي الحديث : إذا أراد الله بعبد خيرا عسله في الناس أي : طيب ثناءه فيهم . وروي أنه قيل : لرسول الله : ما عسله ؟ فقال : يفتح له عملا صالحا بين يدي موته حتى يرضى عنه من حوله ، أي جعل له من العمل الصالح ثناء طيبا ، شبه ما رزقه الله من العمل الصالح الذي طاب به ذكره بين قومه بالعسل الذي يجعل في الطعام فيحلولي به ويطيب ، وهذا مثل ، أي وفقه الله لعمل صالح يتحفه كما يتحف الرجل أخاه إذا أطعمه العسل .

ويقال : لبنه ولحمه وعسله ، إذا أطعمه اللبن واللحم والعسل . والعسل : الرجال الصالحون ، قال : وهو جمع عاسل وعسول ، قال : وهو مما جاء على لفظ فاعل وهو مفعول به ، قال الأزهري : كأنه أراد رجل عاسل ذو عسل ، أي ذو عمل صالح ، الثناء به عليه يستحلى كالعسل . وجارية معسولة الكلام ، إذا كانت حلوة المنطق ، مليحة اللفظ ، طيبة النغمة . وعسل الرمح يعسل عسلا وعسولا وعسلانا : اشتد اهتزازه واضطرب . ورمح عسال وعسول : عاسل مضطرب لدن ، وهو العاتر وقد عتر وعسل ، قال :


بكل عسال إذا هز عتر

وقال أوس :


تقاك بكعب واحد وتلذه     يداك إذا ما هز بالكف يعسل

، والعسل والعسلان : أن يضطرم الفرس في عدوه ، فيخفق برأسه ويطرد متنه . وعسل الذئب والثعلب يعسل عسلا وعسلانا : مضى مسرعا واضطرب في عدوه وهز رأسه ، قال :


والله لولا وجع في العرقوب     لكنت أبقى عسلا من الذيب

، استعاره للإنسان ، وقال لبيد :


عسلان الذئب أمسى قاربا     برد الليل عليه فنسل

، وقيل : هو للنابغة الجعدي ، والذئب عاسل ، والجمع العسل والعواسل ، وقول ساعدة بن جؤية :


لدن بهز الكف يعسل متنه     فيه كما عسل الطريق الثعلب

، أراد عسل في الطريق ، فحذف وأوصل ، كقولهم : دخلت البيت ، ويروى " لذ " . والعسل : حباب الماء إذا جرى من هبوب الريح . وعسل الماء عسلا وعسلانا : حركته الريح فاضطرب وارتفعت حبكه ، أنشد ثعلب : [ ص: 152 ]

قد صبحت والظل غض ما زحل     حوضا كأن ماءه إذا عسل
من نافض الريح رويزي سمل

الرويزي : الطيلسان ، والسمل : الخلق ، وإنما شبه الماء في صفائه بخضرة الطيلسان وجعله سملا ; لأن الشيء إذا أخلق كان لونه أعتق . وعسل الدليل بالمفازة : أسرع . والعنسل : الناقة السريعة ، ذهب سيبويه إلى أنه من العسلان . وقال محمد بن حبيب : قالوا للعنس عنسل ، فذهب إلى أن اللام من عنسل زائدة ، وأن وزن الكلمة فعلل ، واللام الأخيرة زائدة ، قال ابن جني : وقد ترك في هذا القول مذهب سيبويه الذي عليه ينبغي أن يكون العمل ، وذلك أن عنسل فنعل من العسلان الذي هو عدو الذئب ، والذي ذهب إليه سيبويه هو القول ; لأن زيادة النون ثانية أكثر من زيادة اللام ، ألا ترى إلى كثرة باب قنبر وعنصل وقنفخر وقنعاس وقلة باب ذلك وأولالك ؟

قال الأعشى :


وقد أقطع الجوز جوز الفلا     ة بالحرة البازل العنسل

، والنون زائدة . ويقال : فلان أخبث من أبي عسلة ، ومن أبي رعلة ، ومن أبي سلعامة ، ومن أبي معطة ، كله الذئب . ورجل عسل : شديد الضرب ، سريع رجع اليد بالضرب ، قال الشاعر :


تمشي موالية والنفس تنذرها     مع الوبيل بكف الأهوج العسل

والعسيل : مكنسة الطيب ، وهي مكنسة شعر يكنس بها العطار بلاطه من العطر ، قال :


فرشني بخير لا أكون ومدحتي     كناحت يوما صخرة بعسيل

فصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف ، أراد : كناحت صخرة يوما بعسيل ، هكذا أنشد عن الفراء ، ومثله قول أبي الأسود :


فألفيته غير مستعتب     ولا ذاكر الله إلا قليلا

أراد : ولا ذاكر الله ، وأنشد الفراء أيضا :


رب ابن عم لسليمى مشمعل     طباخ ساعات الكرى زاد الكسل

، وقيل : أراد لا أكونن ومدحتي . والعسيل : الريشة التي تقلع بها الغالية ، وجمعها عسل . وإنه لعسل من أعسال المال ، أي حسن الرعية له ، يقال : عسل مال ، كقولك : إزاء مال وخال مال ، أي مصلح مال ، والعسيل : قضيب الفيل ، وجمعه عسل . والعسل والعسلان : الخبب . وفي حديث عمر : أنه قال لعمرو بن معديكرب : كذب ، عليك العسل ، أي عليك بسرعة المشي ، هو من العسلان : مشي الذئب واهتزاز الرمح ، وعسل بالشيء عسولا . ويقال : بسلا له وعسلا ، وهو اللحي في الملام ، وعسلي اليهود : علامتهم . وابن عسلة : من شعرائهم ، قال ابن الأعرابي : وهو عبد المسيح بن عسلة . وعاسل بن غزية : من شعراء هذيل . وبنو عسل : قبيلة يزعمون أن أمهم السعلاة . وقال الأزهري في ترجمة عسم : قال : وذكر أعرابي أمة فقال : هي لنا وكل ضربة لها من عسلة ، قال : العسلة النسل .

التالي السابق


الخدمات العلمية