صفحة جزء
[ بعض ]

بعض : بعض الشيء : طائفة منه ، والجمع أبعاض ، قال ابن سيده : حكاه ابن جني فلا أدري أهو تسمح أم هو شيء رواه ، واستعمل الزجاجي بعضا بالألف واللام فقال : وإنما قلنا البعض والكل مجازا ، وعلى استعمال الجماعة له مسامحة ، وهو في الحقيقة غير جائز يعني أن هذا الاسم لا ينفصل من الإضافة . قال أبو حاتم : قلت للأصمعي : رأيت في كتاب ابن المقفع : العلم كثير ولكن أخذ البعض خير من ترك الكل ، فأنكره أشد الإنكار وقال : الألف واللام لا يدخلان في بعض وكل لأنهما معرفة بغير ألف ولام . وفي القرآن العزيز : وكل أتوه داخرين . قال أبو حاتم : ولا تقول العرب الكل ولا البعض ، وقد استعمله الناس حتى سيبويه والأخفش في كتبهما لقلة علمهما بهذا النحو ، فاجتنب ذلك فإنه ليس من كلام العرب . وقال الأزهري : النحويون أجازوا الألف واللام في بعض وكل وإن أباه الأصمعي . ويقال : جارية حسانة يشبه بعضها بعضا ، وبعض مذكر في الوجوه كلها . وبعض الشيء تبعيضا فتبعض : فرقه أجزاء فتفرق ، وقيل : بعض الشيء كله ، قال لبيد :


أو يعتلق بعض النفوس حمامها .



قال ابن سيده : وليس هذا عندي على ما ذهب إليه أهل اللغة من أن البعض في معنى الكل ، هذا نقض ولا دليل في هذا البيت لأنه إنما عنى ببعض النفوس نفسه . قال أبو العباس أحمد بن يحيى : أجمع أهل النحو على أن البعض شيء من أشياء أو شيء من شيء إلا هشاما فإنه زعم أن قول لبيد :


أو يعتلق بعض النفوس حمامها .



فادعى وأخطأ أن البعض هاهنا جمع ولم يكن هذا من عمله وإنما أراد لبيد ببعض النفوس نفسه . وقوله - تعالى - : يلتقطه بعض السيارة ، بالتأنيث في قراءة من قرأ به فإنه أنث لأن بعض السيارة سيارة كقولهم : ذهبت بعض أصابعه لأن بعض الأصابع يكون أصبعا وأصبعين وأصابع ، قال : وأما جزم أو يعتلق فإنه رده على معنى الكلام الأول ، ومعناه جزاء كأنه قال : وإن أخرج في طلب المال أصب ما أملت أو يعلق الموت نفسي ، وقال : قوله في قصة مؤمن آل فرعون وما أجراه على لسانه فيما وعظ به آل فرعون : وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم ، إنه كان وعدهم بشيئين : عذاب الدنيا وعذاب الآخرة فقال : يصبكم هذا العذاب في الدنيا وهو بعض الوعدين من غير أن نفى عذاب الآخرة . وقال الليث : بعض العرب يصل ببعض كما تصل بما ، من ذلك قوله - تعالى - : وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم ، يريد يصبكم الذي يعدكم ، وقيل في قوله بعض الذي يعدكم ; أي كل الذي يعدكم أي إن يكن موسى صادقا يصبكم كل الذي ينذركم به وبتوعدكم ، لا بعض دون بعض لأن ذلك من فعل الكهان ، وأما الرسل فلا يوجد عليهم وعد مكذوب ، وأنشد :


فيا ليته يعفى ويقرع بيننا     عن الموت ، أو عن بعض شكواه مقرع

.

ليس يريد عن بعض شكواه دون بعض بل يريد الكل ، وبعض ضد كل ، وقال ابن مقبل يخاطب ابنتي عصر :


لولا الحياء ولولا الدين ، عبتكما     ببعض ما فيكما إذ عبتما عوري .



أراد بكل ما فيكما فيما يقال : وقال أبو إسحاق في قوله : بعض الذي يعدكم : من لطيف المسائل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا وعد وعدا وقع الوعد بأسره ولم يقع بعضه ، فمن أين جاز أن يقول بعض الذي يعدكم وحق اللفظ كل الذي يعدكم ؟ وهذا باب من النظر يذهب فيه المناظر إلى إلزام حجته بأيسر ما في الأمر . وليس في هذا معنى الكل وإنما ذكر البعض ليوجب له الكل لأن البعض هو الكل ، ومثل هذا قول الشاعر :


قد يدرك المتأني بعض حاجته     وقد يكون مع المستعجل الزلل .



لأن القائل إذا قال أقل ما يكون للمتأني إدراك بعض الحاجة ، وأقل ما يكون للمستعجل الزلل ، فقد أبان فضل المتأني على المستعجل بما لا يقدر الخصم أن يدفعه ، وكأن مؤمن آل فرعون قال لهم : أقل ما يكون في صدقه أن يصيبكم بعض الذي يعدكم ، وفي بعض ذلك هلاككم ، فهذا تأويل قوله : يصبكم بعض الذي يعدكم . والبعوض : ضرب من الذباب معروف ، الواحدة بعوضة ، قال الجوهري : هو البق ، وقوم مبعوضون . والبعض : مصدر بعضه البعوض يبعضه بعضا : عضه وآذاه ، ولا يقال في غير البعوض ، قال يمدح رجلا بات في كلة :


لنعم البيت بيت أبي دثار     إذا ما خاف بعض القوم بعضا !



قوله بعضا : أي عضا . وأبو دثار : الكلة . وبعض القوم : آذاهم البعوض . وأبعضوا : إذا كان في أرضهم بعوض . وأرض مبعضة ومبقة كثيرة البعوض والبق ، وهو البعوض ، قال الشاعر :


يطن بعوض الماء فوق قذالها     كما اصطخبت بعد النجي خصوم .



وقال ذو الرمة :


كما ذببت عذراء ، وهي مشيحة     بعوض القرى عن فارسي مرفل .



مشيحة : حذرة : والمشيح في لغة هذيل : المجد ، وإذا أنشد الهذلي هذا البيت أنشده :


كما ذببت عذراء غير مشيحة .



وأنشد أبو عبيد الله محمد بن زياد الأعرابي :


وليلة لم أدر ما كراها     أسامر البعوض في دجاها
كل زجول يتقى شذاها     لا يطرب السامع من غناها .



وقد ورد في الحديث ذكر البعوض وهو البق . والبعوضة : موضع كان للعرب فيه يوم مذكور ، قال متمم بن نويرة يذكر قتلى ذلك اليوم :

[ ص: 114 ]

على مثل أصحاب البعوضة فاخمشي     لك الويل حر الوجه أو يبك من بكى .



ورمل البعوضة : معروفة بالبادية .

التالي السابق


الخدمات العلمية