صفحة جزء
[ غلا ]

غلا : الغلاء : نقيض الرخص . غلا السعر وغيره يغلو غلاء ، ممدود فهو غال وغلي الأخيرة ؛ عن كراع . وأغلاه الله : جعله غاليا . وغالى بالشيء : اشتراه بثمن غال . وغالى بالشيء وغلاه : سام فأبعط ؛ قال الشاعر :


نغالي اللحم للأضياف نيئا ونرخصه إذا نضج القدير



فحذف الباء وهو يريدها ، كما يقال لعبت الكعاب ولعبت بالكعاب ، المعنى نغالي باللحم . وقال أبو مالك : نغالي اللحم نشتريه غاليا ثم نبذله ونطعمه إذا نضج في قدورنا . ويقال أيضا : أغلى ؛ قال الشاعر :


كأنها درة أغلى التجار بها



وقال ابن بري : شاهد أغلى اللحم قول شبيب بن البرصاء :


وإني لأغلي اللحم نيئا وإنني     لممس بهين اللحم وهو نضيج



الفراء : غاليت اللحم وغاليت باللحم جائز . ويقال : غاليت صداق المرأة أي أغليته ؛ ومنه قول عمر ، رضي الله عنه : لا تغالوا صدقات النساء ، وفي رواية : لا تغالوا صدق النساء ، وفي رواية : في صدقاتهن أي لا تبالغوا في كثرة الصداق ، وأصل الغلاء الارتفاع ومجاوزة القدر في كل شيء . وبعته بالغلاء والغالي والغلي ؛ كلهن عن ابن الأعرابي ؛ وأنشد :


ولو أنا نباع كلام سلمى     لأعطينا به ثمنا غليا



وغلا في الدين والأمر يغلو غلوا : جاوز حده . وفي التنزيل : لا تغلوا في دينكم وقال الحارث بن خالد :


خمصانة قلق موشحها     رؤد الشباب غلا بها عظم



التهذيب : وقال بعضهم غلوت في الأمر غلوا وغلانية وغلانيا إذا جاوزت فيه الحد وأفرطت فيه ؛ قال الأعشى : أنشده ابن بري :


أو زد عليه الغلانيا



وفي التهذيب : زادوا فيه النون ؛ قال ذو الرمة :

وذو الشنء فاشنأه وذو الود فاجزه على وده وازدد عليه الغلانيا

زاد فيه النون . وفي الحديث : إياكم والغلو في الدين أي التشدد فيه ومجاوزة الحد ، كالحديث الآخر : إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ؛ وقيل : معناه البحث عن بواطن الأشياء والكشف عن عللها وغوامض متعبداتها ؛ ومنه الحديث : وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه ؛ إنما قال ذلك لأن من آدابه وأخلاقه التي أمر بها [ ص: 79 ]

القصد في الأمور ، وخير الأمور أوساطها

.

و :


كلا طرفي قصد الأمور ذميم



والغلو : الإعداء . وغلا بالسهم يغلو غلوا وغلوا وغالى به غلاء : رفع يده يريد به أقصى الغاية وهو من التجاوز ومنه ؛ قول الشاعر :


كالسهم أرسله من كفه الغالي



وقال الليث : رمى به ؛ وأنشد للشماخ :


كما سطع المريخ شمره الغالي



والمغالي بالسهم : الرافع يده يريد به أقصى الغاية . ورجل غلاء : بعيد الغلو بالسهم ؛ قال غيلان الربعي يصف حلبة :


أمسوا فقادوهن حول الميطاء     بمائتين بغلاء الغلاء



وغلا السهم نفسه : ارتفع في ذهابه وجاوز المدى ، وكذلك الحجر ، وكل مرماة من ذلك غلوة ؛ وأنشد :


من مائة زلخ بمريخ غال



وكله من الارتفاع والتجاوز ، والجمع غلوات . وغلاء . وفي الحديث : أهدى له يكسوم سلاحا وفيه سهم فسماه قتر الغلاء ؛ الغلاء ، بالكسر ، والمد : من غاليته أغاليه مغالاة وغلاء إذا راميته ، والقتر سهم الهدف ، وهي أيضا أمد جري الفرس وشوطه ، والأصل الأول . وفي حديث ابن عمر : بينه وبين الطريق غلوة ؛ الغلوة : قدر رمية بسهم وقد تستعمل الغلوة في سباق الخيل ، والغلوة الغاية مقدار رمية . وفي المثل : جري المذكيات غلاء . والمغلاة : سهم يتخذ لمغالاة الغلوة ، ويقال له المغلى ، بلا هاء ؛ قال ابن سيده : والمغلى سهم تغلى به أي ترفع به اليد حتى يتجاوز المقدار أو يقارب ذلك . وسهم الغلاء ممدود : السهم الذي يقدر به مدى الأميال والفراسخ والأرض التي يستبق إليها . التهذيب : الفرسخ التام خمس وعشرون غلوة . والغلو في القافية : حركة الروي الساكن بعد تمام الوزن ؛ والغالي : نون زائدة بعد تلك الحركة ، وذلك نحو قوله في إنشاد من أنشده هكذا :


وقاتم الأعماق خاوي المخترقن



فحركة القاف هي الغلو ، والنون بعد ذلك هي الغالي ، وإنما اشتق من الغلو الذي هو التجاوز لقدر ما يجب ، وهو عندهم أفحش من التعدي ، وقد ذكرنا التعدي في الموضع الذي يليق به ، ولا يعتد به في الوزن لأن الوزن قد تناهى قبله ، جعلوا ذلك في آخر البيت بمنزلة الخزم في أوله . والدابة تغلو في سيرها غلوا وتغتلي بخفة قوائمها ؛ وأنشد :


فهي أمام الفرقدين تغتلي



ابن سيده : وغلت الدابة في سيرها غلوا واغتلت ارتفعت فجاوزت حسن السير ؛ قال الأعشى :


جمالية تغتلي بالرداف     إذا كذب الآثمات الهجيرا

والاغتلاء : الإسراع ؛ قال الشاعر :


كيف تراها تغتلي يا شرج     وقد سهجناها فطال السهج



وناقة مغلاة الوهق إذا توهقت أخفافها ؛ قال رؤبة :


تنشطته كل مغلاة الوهق     مضبورة قرواء هرجاب فنق



الهاء للمخترق ، وهو المفازة . وغلا بالجارية والغلام عظم غلوا : وذلك في سرعة شبابهما وسبقهما لداتهما ، وهو من التجاوز . وغلوان الشباب وغلواؤه : سرعته وأوله . أبو عبيد : الغلواء ، ممدود ، سرعة الشباب ؛ وأنشد قول ابن الرقيات :


لم تلتفت للداتها     ومضت على غلوائها



وقال آخر :


فمضى على غلوائه وكأنه     نجم سرت عنه الغيوم فلاحا



وقال طفيل :


فمشوا إلى الهيجاء في غلوائها     مشي الليوث بكل أبيض مذهب



وفي حديث علي ، رضي الله عنه : شموخ أنفه وسمو غلوائه ؛ غلواء الشباب : أوله وشرته ؛ وقال ابن السكيت في قول الشاعر :


خمصانة قلق موشحها     رؤد الشباب غلا بها عظم



قال : هذا مثل قول ابن الرقيات :


لم تلتفت للداتها     ومضت على غلوائها



وكما قال :


كالغصن في غلوائه المتأود



وقال غيره : الغالي : اللحم السمين ، أخذ منه قوله : غلا بها عظم إذا سمنت ؛ وقال أبو وجزة السعدي :


توسطها غال عتيق وزانها     معرس مهري به الذيل يلمع



أراد بمعرس مهري حملها الذي أجنته في رحمها من ضراب جمل مهري أي توسطها شحم عتيق في سنامها . ويقال للشيء إذا ارتفع : قد غلا ؛ قال ذو الرمة :


فما زال يغلو حب مية عندنا     ويزداد حتى لم نجد ما نزيدها



وغلا النبت : ارتفع وعظم والتف ؛ قال لبيد :


فغلا فروع الأيهقان وأطفلت     بالجلهتين ظباؤها ونعامها



وكذلك تغالى واغلولى ؛ قال ذو الرمة :


مما تغالى من البهمى ذوائبه     بالصيف وانضرجت عنه الأكاميم



وأغلى الكرم : التف ورقه وكثرت نواميه وطال . وأغلاه : خفف من ورقه ليرتفع ويجود . وكل ما ارتفع فقد غلا وتغالى . وتغالى لحمه : انحسر عند الضماد كأنه ضد . التهذيب : وتغالى لحم الدابة أو الناقة إذا ارتفع وذهب ، وقيل : إذا انحسر عند التضمير ؛ قال لبيد :


فإذا تغالى لحمها وتحسرت     وتقطعت بعد الكلال خدامها



تغالى لحمها أي ارتفع وصار على رءوس العظام ، ورواه ثعلب بالعين غير المعجمة . والغلواء : الغلو . وغلوى : اسم فرس [ ص: 80 ] مشهورة . وغلت القدر والجرة تغلي غليا وغليانا وأغلاها وغلاها ، ولا يقال غليت ؛ قال أبو الأسود الدؤلي :


ولا أقول لقدر القوم قد غليت     ولا أقول لباب الدار مغلوق



أي أني فصيح لا ألحن . ابن سيده : قال ابن دريد وفي بعض كلام الأوائل أن ماء وغله ، قال : وبعضهم يرويه : أز ماء وغله . والغالية من الطيب : معروفة وقد تغلى بها ؛ عن ثعلب ، وغلى غيره . يقال : إن أول من سماها بذلك سليمان بن عبد الملك ، ويقال منها تغللت وتغلفت وتغليت ، كله من الغالية . وقال أبو نصر : سألت الأصمعي هل يجوز تغللت ؟ فقال : إن أردت أنك أدخلته في لحيتك أو شاربك فجائز . والغلوى : الغالية في قول عدي بن زيد :


ينفح من أردانها المسك وال     عنبر والغلوى ولبنى قفوص

وفي حديث عائشة ، رضي الله عنها : كنت أغلف لحية رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بالغالية ، قال : هو نوع من الطيب مركب من مسك وعنبر وعود ودهن ، وهي معروفة ، والتغلف بها التلطخ .

التالي السابق


الخدمات العلمية