صفحة جزء
منن

منن : منه يمنه منا : قطعه . والمنين : الحبل الضعيف . وحبل منين : مقطوع ، وفي التهذيب : حبل منين إذا أخلق وتقطع ، والجمع أمنة ومنن . وكل حبل نزح به أو متح منين ، ولا يقال للرشاء من الجلد منين . والمنين : الغبار ، وقيل : الغبار الضعيف المنقطع ، ويقال للثوب الخلق . والمن : الإعياء والفترة . ومننت الناقة : حسرتها . ومن الناقة يمنها منا ومننها ومنن بها : هزلها من السفر ، وقد يكون ذلك في الإنسان . وفي الخبر : أن أبا كبير غزا مع تأبط شرا فمنن به ثلاث ليال أي أجهده وأتعبه . والمنة ، بالضم : القوة ، وخص بعضهم به قوة القلب . يقال : هو ضعيف المنة ، ويقال : هو طويل الأمة حسن السنة قوي المنة ، الأمة : القامة ، والسنة : الوجه ، والمنة : القوة . ورجل منين أي ضعيف ، كأن الدهر منه أي ذهب بمنته أي بقوته ، قال ذو الرمة :


منه السير أحمق

أي أضعفه السير . والمنين : القوي . والمنين : الضعيف ; عن ابن الأعرابي ، من الأضداد ، وأنشد :


يا ريها ، إن سلمت يميني     وسلم الساقي الذي يليني


ولم تخني عقد المنين

ومنه السير يمنه منا : أضعفه وأعياه . ومنه يمنه منا : نقصه . أبو عمرو : الممنون الضعيف ، والممنون القوي . وقال ثعلب : المنين الحبل القوي ، وأنشد لأبي محمد الأسدي :


إذا قرنت أربعا بأربع     إلى اثنتين في منين شرجع

أي أربع آذان بأربع وذمات ، والاثنتان عرقوتا الدلو . والمنين : الحبل القوي الذي له منة . والمنين أيضا : الضعيف ، وشرجع : طويل . والمنون : الموت لأنه يمن كل شيء يضعفه وينقصه ويقطعه ، وقيل : المنون الدهر ، وجعله عدي بن زيد جمعا فقال :


من رأيت المنون عزين أم من     ذا عليه من أن يضام خفير

وهو يذكر ويؤنث ; فمن أنث حمل على المنية ، ومن ذكر حمل على الموت ، قال أبو ذؤيب :


أمن المنون وريبه تتوجع     والدهر ليس بمعتب من يجزع

؟ قال ابن سيده : وقد روي وريبها ، حملا على المنية ، قال : ويحتمل أن يكون التأنيث راجعا إلى معنى الجنسية والكثرة ، وذلك لأن الداهية توصف بالعموم والكثرة والانتشار ، قال الفارسي : إنما ذكره لأنه ذهب به إلى معنى الجنس . التهذيب : من ذكر المنون أراد به الدهر ، وأنشد بيت أبي ذؤيب أيضا :


أمن المنون وريبه تتوجع

وأنشد الجوهري للأعشى :


أأن رأت رجلا أعشى أضر به     ريب المنون ، ودهر متبل خبل

ابن الأعرابي : قال الشرقي بن القطامي المنايا الأحداث ، والحمام الأجل ، والحتف القدر ، والمنون الزمان . قال أبو العباس : والمنون يحمل معناه على المنايا فيعبر بها عن الجمع ، وأنشد بيت عدي بن زيد :


من رأيت المنون عزين

أراد المنايا فلذلك جمع الفعل . والمنون : المنية لأنها تقطع المدد وتنقص العدد . قال الفراء : والمنون مؤنثة ، وتكون واحدة وجمعا . قال ابن بري : المنون الدهر ، وهو اسم مفرد ، وعليه قوله تعالى : نتربص به ريب المنون ، أي حوادث الدهر ، ومنه قول أبي ذؤيب :


أمن المنون وريبه تتوجع

قال : أي من الدهر وريبه ، ويدل على صحة ذلك قوله :

[ ص: 135 ]

والدهر ليس بمعتب من يجزع

فأما من قال : وريبها فإنه أنث على معنى الدهور ، ورده على عموم الجنس كقوله تعالى : أو الطفل الذين لم يظهروا ، وكقول أبي ذؤيب :


فالعين بعدهم كأن حداقها

وكقوله - عز وجل - : ثم استوى إلى السماء فسواهن ، وكقول الهذلي :


تراها الضبع أعظمهن رأسا

قال : ويدلك على أن المنون يراد بها الدهور قول الجعدي :


وعشت تعيشين إن المنو     ن كان المعايش فيها خساسا

قال ابن بري : فسر الأصمعي المنون هنا بالزمان وأراد به الأزمنة ، قال : ويدلك على ذلك قوله بعد البيت :


فحينا أصادف غراتها     وحينا أصادف فيها شماسا

أي أصادف في هذه الأزمنة ، قال : ومثله ما أنشده عبد الرحمن عن عمه الأصمعي :


غلام وغى تقحمها فأبلى     فخان بلاءه الدهر الخئون
فإن على الفتى الإقدام فيها     وليس عليه ما جنت المنون

قال : والمنون يريد بها الدهور بدليل قوله في البيت قبله :


فخان بلاءه الدهر الخئون

قال : ومن هذا قول كعب بن مالك الأنصاري :


أنسيتم عهد النبي إليكم     ولقد ألظ وأكد الأيمانا
أن لا تزالوا ما تغرد طائر     أخرى المنون مواليا إخوانا

أي إلى آخر الدهر ، قال : وأما قول النابغة :


وكل فتى ، وإن أمشى وأثرى     ستخلجه عن الدنيا المنون

قال : فالظاهر أنه المنية ، قال : وكذلك قول أبي طالب :


أي شيء دهاك أو غال مرعا     ك وهل أقدمت عليك المنون ؟

قال : المنون هنا المنية لا غير ، وكذلك قول عمرو بن حسان :


تمخضت المنون له بيوم     أنى ولكل حاملة تمام

وكذلك قول ابن أحمر :


لقوا أم اللهيم فجهزتهم     غشوم الورد نكنيها المنونا

أم اللهيم : اسم للمنية ، والمنون هنا : المنية ، ومنه قول أبي دواد :


سلط الموت والمنون عليهم     فهم في صدى المقابر هام

ومن عليه يمن منا : أحسن وأنعم ، والاسم المنة . ومن عليه وامتن وتمنن : قرعه بمنة ، أنشد ثعلب :


أعطاك يا زيد الذي يعطي النعم


من غير ما تمنن ولا عدم


بوائكا لم تنتجع مع الغنم

وفي المثل : كمن الغيث على العرفجة ، وذلك أنها سريعة الانتفاع بالغيث ، فإذا أصابها يابسة اخضرت ، يقول : أتمن علي كمن الغيث على العرفجة ؟ وقالوا : من خيره يمنه منا فعدوه ، قال :


كأني ; إذ مننت عليك خيري     مننت على مقطعة النياط

ومن يمن منا : اعتقد عليه منا وحسبه عليه . وقوله - عز وجل - : وإن لك لأجرا غير ممنون ، جاء في التفسير : غير محسوب ، وقيل : معناه أي لا يمن الله عليهم به فاخرا أو معظما كما يفعل بخلاء المنعمين ، وقيل : غير مقطوع من قولهم حبل منين إذا انقطع وخلق ، وقيل أي لا يمن به عليهم . الجوهري : والمن القطع ، ويقال النقص ، قال لبيد :


غبسا كواسب لا يمن طعامها

قال ابن بري : وهذا الشعر في نسخة ابن القطاع من الصحاح :


حتى إذا يئس الرماة ، وأرسلوا     غبسا كواسب لا يمن طعامها

قال : وهو غلط ، وإنما هو في نسخة الجوهري عجز البيت لا غير ، قال : وكمله ابن القطاع بصدر بيت ليس هذا عجزه ، وإنما عجزه :


حتى إذا يئس الرماة ، وأرسلوا     غضفا دواجن قافلا أعصامها

قال : وأما صدر البيت الذي ذكره الجوهري فهو قوله :


لمعفر قهد تنازع شلوه     غبس كواسب لا يمن طعامها

قال : وهكذا هو في شعر لبيد ، وإنما غلط الجوهري في نصب قوله غبسا ، والله أعلم . والمنينى : من المن الذي هو اعتقاد المن على الرجل . وقال أبو عبيد في بعض النسخ : المنينى من المن والامتنان . ورجل منونة ومنون : كثير الامتنان ; الأخيرة عن اللحياني . وقال أبو بكر في قوله تعالى : من الله علينا ، يحتمل المن تأويلين : أحدهما إحسان المحسن غير معتد بالإحسان ; يقال لحقت فلانا من فلان منة إذا لحقته نعمة باستنقاذ من قتل أو ما أشبهه ، والثاني من فلان على فلان إذا عظم الإحسان وفخر به وأبدأ فيه وأعاد حتى يفسده ويبغضه ; فالأول حسن ، والثاني قبيح . وفي أسماء الله تعالى : الحنان المنان أي الذي ينعم غير فاخر بالإنعام ، وأنشد :


إن الذين يسوغ في أحلاقهم     زاد يمن عليهم للئام

وقال في موضع آخر في شرح المنان ، قال : معناه المعطي ابتداء ، ولله المنة على عباده ، ولا منة لأحد منهم عليه ; تعالى الله علوا كبيرا . وقال ابن الأثير : هو المنعم المعطي من المن في كلامهم بمعنى الإحسان إلى من لا يستثيبه ولا يطلب الجزاء عليه . والمنان : من أبنية المبالغة كالسفاك والوهاب ، والمنينى منه كالخصيصى ، وأنشد ابن بري للقطامي :


وما دهري بمنينى ، ولكن     جزتكم ، يا بني جشم ، الجوازي

ومن عليه منة أي امتن عليه . يقال : المنة تهدم الصنيعة . وفي الحديث : " ما أحد أمن علينا من ابن أبي قحافة " ; أي ما أحد أجود بماله وذات يده ، وقد تكرر في الحديث . وقوله - عز وجل - : لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى ، المن هاهنا : أن تمن بما أعطيت وتعتد به كأنك إنما تقصد به الاعتداد ، والأذى : أن توبخ المعطى ، فأعلم الله أن المن والأذى يبطلان الصدقة . وقوله - عز وجل - : ولا تمنن تستكثر ، [ ص: 136 ] أي لا تعط شيئا مقدرا لتأخذ بدله ما هو أكثر منه . وفي الحديث : ثلاثة يشنؤهم الله ; منهم البخيل المنان . وقد يقع المنان على الذي لا يعطي شيئا إلا منه واعتد به على من أعطاه ، وهو مذموم ، لأن المنة تفسد الصنيعة . والمنون من النساء : التي تزوج لمالها فهي أبدا تمن على زوجها . والمنانة : كالمنون . وقال بعض العرب : لا تتزوجن حنانة ولا منانة . الجوهري : المن كالطرنجبين . وفي الحديث : الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين . ابن سيده : المن طل ينزل من السماء ، وقيل : هو شبه العسل كان ينزل على بني إسرائيل . وفي التنزيل العزيز : وأنزلنا عليهم المن والسلوى ، قال الليث : المن كان يسقط على بني إسرائيل من السماء إذ هم في التيه ، وكان كالعسل الحامس حلاوة . وقال الزجاج : جملة المن في اللغة ما يمن الله - عز وجل - به مما لا تعب فيه ولا نصب ، قال : وأهل التفسير يقولون إن المن شيء كان يسقط على الشجر حلو يشرب ، ويقال : إنه الترنجبين ، وقيل في قوله - صلى الله عليه وسلم - الكمأة من المن إنما شبهها بالمن الذي كان يسقط على بني إسرائيل ؛ لأنه كان ينزل عليهم من السماء عفوا بلا علاج ، إنما يصبحون وهو بأفنيتهم فيتناولونه ، وكذلك الكمأة لا مؤونة فيها ببذر ولا سقي ، وقيل : أي هي مما من الله به على عباده . قال أبو منصور : فالمن الذي يسقط من السماء ، والمن الاعتداد ، والمن العطاء ، والمن القطع ، والمنة العطية ، والمنة الاعتداد ، والمن لغة في المنا الذي يوزن به . الجوهري : والمن المنا ، وهو رطلان ، والجمع أمنان ، وجمع المنا أمناء . ابن سيده : المن كيل أو ميزان ، والجمع أمنان . والممن : الذي لم يدعه أب . والمننة : القنفذ . التهذيب : والمننة العنكبوت ، ويقال له منونة . قال ابن بري : والمن أيضا الفترة ، قال :


قد ينشط الفتيان بعد المن

التهذيب عن الكسائي قال : من تكون اسما ، وتكون جحدا ، وتكون استفهاما ، وتكون شرطا ، وتكون معرفة ، وتكون نكرة ، وتكون للواحد والاثنين والجمع ، وتكون خصوصا ، وتكون للإنس والملائكة والجن ، وتكون للبهائم إذا خلطتها بغيرها ، وأنشد الفراء فيمن جعلها اسما هذا البيت :


فضلوا الأنام ، ومن برا عبدانهم     وبنوا بمكة زمزما وحطيما

قال : موضع من خفض ؛ لأنه قسم كأنه قال : فضل بنو هاشم سائر الناس والله الذي برأ عبدانهم . قال أبو منصور : وهذه الوجوه التي ذكرها الكسائي في تفسير من موجودة في الكتاب ; أما الاسم المعرفة فكقولك : والسماء وما بناها ، معناه : والذي بناها ، والجحد كقوله : ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون ، المعنى لا يقنط . والاستفهام كثير وهو كقولك : من تعني بما تقول ؟ والشرط كقوله : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، فهذا شرط وهو عام . ومن للجماعة كقوله تعالى : ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون ، وكقوله : ومن الشياطين من يغوصون له . وأما في الواحد فكقوله تعالى : ومنهم من يستمع إليك ، فوحد ، والاثنين كقوله :


تعال فإن عاهدتني لا تخونني     نكن مثل من يا ذئب يصطحبان

قال الفراء : ثنى يصطحبان وهو فعل لمن لأنه نواه ونفسه . وقال تعالى في جمع النساء : ومن يقنت منكن لله ورسوله . الجوهري : من اسم لمن يصلح أن يخاطب ، وهو مبهم غير متمكن ، وهو في اللفظ واحد ويكون في معنى الجماعة ، قال الأعشى :

لسنا كمن حلت إياد دارها تكريت تنظر حبها أن يحصدا فأنث فعل من لأنه حمله على المعنى لا على اللفظ ، قال : والبيت رديء لأنه أبدل من قبل أن يتم الاسم ، قال : ولها أربعة مواضع : الاستفهام نحو من عندك ؟ والخبر نحو : رأيت من عندك ، والجزاء نحو : من يكرمني أكرمه ، وتكون نكرة نحو : مررت بمن محسن أي بإنسان محسن ، قال بشير بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك الأنصاري :


وكفى بنا فضلا ، على من غيرنا     حب النبي محمد إيانا

خفض غير على الإتباع لمن ، ويجوز فيه الرفع على أن تجعل من صلة بإضمار هو ، وتحكى بها الأعلام والكنى والنكرات في لغة أهل الحجاز إذا قال رأيت زيدا قلت من زيدا ، وإذا قال رأيت رجلا قلت منا لأنه نكرة ، وإن قال جاءني رجل قلت منو ، وإن قال مررت برجل قلت مني ، وإن قال جاءني رجلان قلت منان ، وإن قال مررت برجلين قلت منين ، بتسكين النون فيهما ، وكذلك في الجمع إن قال جاءني رجال قلت منون ، ومنين في النصب والجر ، ولا يحكى بها غير ذلك ، لو قال رأيت الرجل قلت من الرجل ، بالرفع ؛ لأنه ليس بعلم ، وإن قال مررت بالأمير قلت من الأمير ، وإن قالت رأيت ابن أخيك قلت من ابن أخيك ، بالرفع لا غير ، قال : وكذلك إن أدخلت حرف العطف على من رفعت لا غير قلت فمن زيد ومن زيد ، وإن وصلت حذفت الزيادات قلت من يا هذا ، قال : وقد جاءت الزيادة في الشعر في حال الوصل ، قال الشاعر :


أتوا ناري فقلت : منون أنتم ؟     فقالوا : الجن ! قلت : عموا ظلاما !

وتقول في المرأة : منه ومنتان ومنات ، كله بالتسكين ، وإن وصلت قلت منة يا هذا ومنات يا هؤلاء . قال ابن بري : قال الجوهري وإن وصلت قلت منة يا هذا ، بالتنوين ، ومنات ، قال : صوابه وإن وصلت قلت من يا هذا في المفرد والمثنى والمجموع والمذكر والمؤنث ، وإن قال : رأيت رجلا وحمارا ، قلت من وأيا ، حذفت الزيادة من الأول لأنك وصلته ، وإن قال مررت بحمار ورجل قلت أي ومني ، فقس عليه ، قال : وغير أهل الحجاز لا يرون الحكاية في شيء منه ويرفعون المعرفة بعد من ، اسما كان أو كنية أو غير ذلك . قال الجوهري : والناس اليوم في ذلك على لغة أهل الحجاز قال : وإذا جعلت من اسما متمكنا شددته لأنه على حرفين كقول خطام المجاشعي :


فرحلوها رحلة فيها رعن     حتى أنخناها إلى من ومن

أي أبركناها إلى رجل وأي رجل ، يريد بذلك تعظيم شأنه ، وإذا [ ص: 137 ] سميت بمن لم تشدد فقلت هذا من ومررت بمن ، قال ابن بري : وإذا سألت الرجل عن نسبه قلت المني ، وإن سألته عن بلده قلت الهني ، وفي حديث سطيح :


يا فاصل الخطة أعيت من ومن

قال ابن الأثير : هذا كما يقال أعيا هذا الأمر وفلانا وفلانا عند المبالغة والتعظيم أي أعيت كل من جل قدره فحذف ، يعني أن ذلك مما تقصر العبارة عنه لعظمه كما حذفوها من قولهم : بعد اللتيا والتي ، استعظاما لشأن المخلوق . وقوله في الحديث : " من غشنا فليس منا " ; أي ليس على سيرتنا ومذهبنا والتمسك بسنتنا ، كما يقول الرجل : أنا منك وإليك ، يريد المتابعة والموافقة ، ومنه الحديث : " ليس منا من حلق وخرق وصلق " ، وقد تكرر أمثاله في الحديث بهذا المعنى ، وذهب بعضهم إلى أنه أراد به النفي عن دين الإسلام ، ولا يصح . قال ابن سيده : من اسم بمعنى الذي ، وتكون للشرط وهم اسم مغن عن الكلام الكثير المتناهي في البعاد والطول ، وذلك أنك إذا قلت من يقم أقم معه كفاك ذلك من جميع الناس ، ولولا هو لاحتجت أن تقول إن يقم زيد أو عمرو أو جعفر أو قاسم ونحو ذلك ، ثم تقف حسيرا مبهورا ولما تجد إلى غرضك سبيلا ، فإذا قلت من عندك أغناك ذلك عن ذكر الناس ، وتكون للاستفهام المحض ، وتثنى وتجمع في الحكاية كقولك : منان ومنون ومنتان ومنات ، فإذا وصلت فهو في جميع ذلك مفرد مذكر ، وأما قول شمر بن الحارث الضبي :


أتوا ناري فقلت : منون ؟ قالوا :     سراة الجن ! قلت : عموا ظلاما !

قال : فمن رواه هكذا فإنه أجرى الوصل مجرى الوقف ، فإن قلت فإنه في الوقف إنما يكون منون ساكن النون ، وأنت في البيت قد حركته ، فهو إذا ليس على نية الوصل ولا على نية الوقف ؟ فالجواب أنه لما أجراه في الوصل على حده في الوقف فأثبت الواو والنون التقيا ساكنين ، فاضطر حينئذ إلى أن حرك النون لالتقاء الساكنين لإقامة الوزن ، فهذه الحركة إذا إنما هي حركة مستحدثة لم تكن في الوقف ، وإنما اضطر إليها للوصل ، قال : فأما من رواه منون أنتم فأمره مشكل ، وذلك أنه شبه من بأي فقال منون أنتم على قوله أيون أنتم ، وكما جعل أحدهما عن الآخر هنا كذلك جمع بينهما في أن جرد من الاستفهام كل واحد منهما ، ألا ترى أن حكاية يونس عنهم ضرب من منا كقولك ضرب رجل رجلا ؟ فنظير هذا في التجريد له من معنى الاستفهام ما أنشدناه من قوله الآخر :


وأسماء ، ما أسماء ليلة أدلجت     إلي ، وأصحابي بأي وأينما

فجعل أيا اسما للجهة ، فلما اجتمع فيها التعريف والتأنيث منعها الصرف ، وإن شئت قلت كان تقديره منون كالقول الأول ، ثم قال أنتم أي أنتم المقصودون بهذا الاستثبات ، كقول عدي :


أرواح مودع أم بكور     أنت ، فانظر لأي حال تصير

إذا أردت أنت الهالك ، وكذلك أراد لأي ذينك . وقولهم في جواب من قال رأيت زيدا المني يا هذا ، فالمني صفة غير مفيدة ، وإنما معناه الإضافة إلى من ، لا يخص بذلك قبيلة معروفة كما أن من لا يخص عينا ، وكذلك تقول المنيان والمنيون والمنية والمنيتان والمنيات ، فإذا وصلت أفردت على ما بينه سيبويه ، قال : وتكون للاستفهام الذي فيه معنى التعجب نحو ما حكاه سيبويه من قول العرب : سبحان الله من هو وما هو ، وأما قوله :


جادت بكفي كان من أرمى البشر

فقد روي من أرمى البشر ، بفتح ميم من ، أي بكفي من هو أرمى البشر ، وكان على هذا زائدة ، ولو لم تكن فيه هذه الرواية لما جاز القياس عليه لفروده وشذوذه عما عليه عقد هذا الموضع ، ألا تراك لا تقول مررت بوجهه حسن ولا نظرت إلى غلامه سعيد ؟ قال : هذا قول ابن جني ، وروايتنا كان من أرمى البشر أي بكفي رجل كان . الفراء : تكون ( من ) ابتداء غاية ، وتكون بعضا ، وتكون صلة ، قال الله - عز وجل - : وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة ، أي ما يعزب عن علمه وزن ذرة ; ولداية الأحنف فيه :


والله لولا حنف برجله     ما كان في فتيانكم من مثله

قال : من صلة هاهنا ، قال : والعرب تدخل من على جميع المحال إلا على اللام والباء ، وتدخل من على عن ولا تدخل عن عليها ، لأن عن اسم ومن من الحروف ، قال القطامي :

من عن يمين الحبيا نظرة قبل قال أبو عبيد : والعرب تضع من موضع مذ ، يقال : ما رأيته من سنة أي مذ سنة ، قال زهير :


لمن الديار ، بقنة الحجر     أقوين من حجج ومن دهر ؟

أي مذ حجج . الجوهري : تقول العرب ما رأيته من سنة أي منذ سنة . وفي التنزيل العزيز : أسس على التقوى من أول يوم ، قال : وتكون من بمعنى على كقوله تعالى : ونصرناه من القوم ; أي على القوم ، قال ابن بري : يقال نصرته من فلان أي منعته منه لأن الناصر لك مانع عدوك ، فلما كان نصرته بمعنى منعته جاز أن يتعدى بمن ، ومثله : فليحذر الذين يخالفون عن أمره ; فعدى الفعل بعن حملا على معنى يخرجون عن أمره ، لأن المخالفة خروج عن الطاعة ، وتكون من بمعنى البدل كقول الله تعالى : ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة ، معناه : ولو نشاء لجعلنا بدلكم ، وتكون بمعنى اللام الزائدة كقوله :


أمن آل ليلى عرفت الديارا

أراد ألآل ليلى عرفت الديارا . ومن ، بالكسر : حرف خافض لابتداء الغاية في الأماكن ، وذلك قولك من مكان كذا وكذا إلى مكان كذا وكذا ، وخرجت من بغداد إلى الكوفة ، وتقول إذا كتبت : من فلان إلى فلان ; فهذه الأسماء التي هي سوى الأماكن بمنزلتها ، وتكون أيضا للتبعيض ; تقول : هذا من الثوب ، وهذا الدرهم من الدراهم ، وهذا منهم كأنك قلت بعضه أو بعضهم ، وتكون للجنس كقوله تعالى : فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا . فإن قيل : كيف يجوز أن يقبل الرجل المهر كله وإنما قال منه ؟ فالجواب في ذلك أن من هنا للجنس كما قال تعالى : فاجتنبوا الرجس من الأوثان ، ولم نؤمر [ ص: 138 ] باجتناب بعض الأوثان ، ولكن المعنى : فاجتنبوا الرجس الذي هو وثن ، وكلوا الشيء الذي هو مهر ، وكذلك قوله - عز وجل - : وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما . قال : وقد تدخل في موضع لو لم تدخل فيه كان الكلام مستقيما ولكنها توكيد بمنزلة ما إلا أنها تجر لأنها حرف إضافة ، وذلك قولك : ما أتاني من رجل ، وما رأيت من أحد ، لو أخرجت من كان الكلام مستقيما ، ولكنه أكد بمن لأن هذا موضع تبعيض ، فأراد أنه لم يأته بعض الرجال ، وكذلك ويحه من رجل ! إنما أراد أن يجعل التعجب من بعض ، وكذلك : لي ملؤه من عسل ، وهو أفضل من زيد ، إنما أراد أن يفضله على بعض ولا يعم ، وكذلك إذا قلت أخزى الله الكاذب مني ومنك إلا أن هذا وقولك أفضل منك لا يستغنى عن من فيهما ، لأنها توصل الأمر إلى ما بعدها . قال الجوهري : وقد تدخل من توكيدا لغوا ، قال : قال الأخفش ومنه قوله تعالى : وترى الملائكة حافين من حول العرش ، وقال : ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ، إنما أدخل من توكيدا كما تقول رأيت زيدا نفسه . وقال ابن بري في استشهاده بقوله تعالى : فاجتنبوا الرجس من الأوثان ، قال من للبيان والتفسير وليست زائدة للتوكيد لأنه لا يجوز إسقاطها بخلاف ويحه من رجل . قال الجوهري : وقد تكون من للبيان والتفسير كقولك لله درك من رجل ، فتكون من مفسرة للاسم المكني في قولك درك وترجمة عنه . وقوله تعالى : وينزل من السماء من جبال فيها من برد ; فالأولى لابتداء الغاية ، والثانية للتبعيض ، والثالثة للبيان . ابن سيده : قال سيبويه : وأما قولك رأيته من ذلك الموضع فإنك جعلته غاية رؤيتك كما جعلته غاية ; حيث أردت الابتداء والمنتهى . قال اللحياني : فإذا لقيت النون ألف الوصل فمنهم من يخفض النون فيقول من القوم ومن ابنك . وحكي عن طيء وكلب : اطلبوا من الرحمن ، وبعضهم يفتح النون عند اللام وألف الوصل فيقول من القوم ومن ابنك ، قال : وأراهم إنما ذهبوا في فتحها إلى الأصل لأن أصلها إنما هو منا ، فلما جعلت أداة حذفت الألف وبقيت النون مفتوحة ، قال : وهي في قضاعة ، وأنشد الكسائي عن بعض قضاعة :


بذلنا مارن الخطي فيهم     وكل مهند ذكر حسام
منا أن ذر قرن الشمس حتى     أغاث شريدهم فنن الظلام

قال ابن جني : قال الكسائي أراد من ، وأصلها عندهم منا ، واحتاج إليها فأظهرها على الصحة هنا . قال ابن جني : يحتمل عندي أن يكون منا فعلا من منى يمني إذا قدر كقوله :


حتى تلاقي الذي يمني لك الماني

أي يقدر لك المقدر ، فكأنه تقدير ذلك الوقت وموازنته أي من أول النهار لا يزيد ولا ينقص . قال سيبويه : قالوا من الله ومن الرسول ومن المؤمنين ففتحوا ، وشبهوها بأين وكيف ، يعني أنه قد كان حكمها أن تكسر لالتقاء الساكنين ، لكن فتحوا لما ذكر ، قال : وزعموا أن ناسا يقولون من الله فيكسرونه ويجرونه على القياس ، يعني أن الأصل في كل ذلك أن تكسر لالتقاء الساكنين ، قال : وقد اختلفت العرب في من إذا كان بعدها ألف وصل غير الألف واللام ، فكسره قوم على القياس ، وهي أكثر في كلامهم وهي الجيدة ، ولم يكسروا في ألف اللام لأنها مع ألف اللام أكثر ; إذ الألف واللام كثيرة في الكلام تدخل في كل اسم نكرة ، ففتحوا استخفافا فصار من الله بمنزلة الشاذ ، وكذلك قولك من ابنك ومن امرئ ، قال : وقد فتح قوم فصحاء فقالوا : من ابنك ، فأجروها مجرى قولك من المسلمين ، قال أبو إسحاق : ويجوز حذف النون من من وعن عند الألف واللام لالتقاء الساكنين ، وحذفها من من أكثر من حذفها من عن لأن دخول من في الكلام أكثر من دخول عن ، وأنشد :


أبلغ أبا دختنوس مألكة     غير الذي قد يقال م الكذب

قال ابن بري : أبو دختنوس لقيط بن زرارة ودختنوس بنته . ابن الأعرابي : يقال من الآن وم الآن ; يحذفون ، وأنشد :


ألا أبلغ بني عوف رسولا     فما م الآن في الطير اعتذار

يقول لا أعتذر بالتطير ، أنا أفارقكم على كل حال . وقولهم في القسم : من ربي ما فعلت ، فمن حرف جر وضعت موضع الباء ههنا ، لأن حروف الجر ينوب بعضها عن بعض إذا لم يلتبس المعنى .

التالي السابق


الخدمات العلمية