صفحة جزء
( شف ) الشين والفاء أصل واحد يدل على رقة وقلة ، لا يشذ منه شيء عن هذا الباب . من ذلك الشف : الستر الرقيق . يقولون : سمي بذلك لأنه يستشف ما وراءه . والأصل أن الستر في نفسه يشف لرقته إذ كان كذا . وإن كان ما قاله القوم صحيحا فهو قياس أيضا ; لأن الذي يرى من ورائه هو القليل المتفرق في رأي العين والبصر . ومن ذلك الشف الزيادة ; يقال لهذا على هذا شف ، أي فضل . ويقال : أشففت بعض ولدك على بعض ، أي فضلت . وإنما قيل ذلك لأن تلك الزيادة لا تكاد تكثر ، فإن أعطى أحدهما مائة والآخر مائتين لم يقل أشففت ، لكن يقال أفضلت وأضعفت وضعفت ، وما أشبه ذلك .

وقول من قال : الشف : النقصان أيضا محتمل ، كأنه ينقص الشيء حتى يصيره شفافة . والشفوف : نحول الجسم ، يقال شفه المرض يشفه شفا . فأما الشفيف فلا يكون إلا برد ريح في ندوة قليلة ، فسمي شفيفا لتلك الندوة وإن قلت . ويقال لذلك الشفان أيضا ، قال :

[ ص: 170 ]

ألجاه شفان لها شفيف



والاستشفاف في الشراب : أن يستقصي ما في الإناء لا يسئر فيه شيئا ، كأن تلك البقية شفافة ، فإذا شربها الإنسان قيل اشتفها وتشافها . وفي حديث أم زرع : إن أكل لف ، وإن شرب اشتف . وكل شيء استوعب شيئا فقد اشتفه . قال الشاعر :


له عنق تلوي بما وصلت به     ودفان يشتفان كل ظعان



الظعان : الحبل . يقول : جنباه عريضان ، فما يأخذان الظعان كله . وأما قول الفرزدق :


ويخلفن ما ظن الغيور المشفشف



فيقال : الرجل الشديد الغيرة . وهذا صحيح ، إلا أنه الذي شفته الغيرة حتى نحل جسمه .

التالي السابق


الخدمات العلمية