( طرق ) الطاء والراء والقاف أربعة أصول ، أحدها : الإتيان مساء ، والثاني : الضرب ، والثالث : جنس من استرخاء الشيء ، والرابع : خصف شيء على شيء .
فالأول الطروق . ويقال إنه إتيان المنزل ليلا . قالوا : ورجل طرقة ، إذا كان يسري حتى يطرق أهله ليلا . وذكر أن ذلك يقال بالنهار أيضا ، والأصل الليل . والدليل على أن الأصل الليل تسميتهم النجم طارقا ; لأنه يطلع ليلا . قالوا : وكل من أتى ليلا فقد طرق . قالت :
نحن بنات طارق
[ ص: 450 ] وهو قول امرأة . تريد : إن أبانا نجم في شرفه وعلوه . ومن الباب - والله أعلم - الطريق ; لأنه يتورد . ويجوز أن يكون من أصل آخر ، وهو الذي ذكرناه من خصف الشيء فوق الشيء .
ومن الباب الأول قولهم : أتيته طرقتين ، أي مرتين . ومنه طارقة الرجل ، وهو فخذه التي هو منها ; وسميت طارقة لأنها تطرقه ويطرقها . قال :
شكوت ذهاب طارقتي إليه وطارقتي بأكناف الدروب
والأصل الثاني : الضرب ، يقال : طرق يطرق طرقا . والشيء مطرق ومطرقة . ومنه الطرق ، وهو الضرب بالحصى تكهنا ، وهو الذي جاء في الحديث النهي عنه ، وقيل : " الطرق والعيافة والزجر من الجبت " . وامرأة طارقة : تفعل ذلك ; والجمع : الطوارق . قال :
لعمرك ما تدري الطوارق بالحصى ولا زاجرات الطير ما الله صانع
والطرق : ضرب الصوف بالقضيب ، وذلك القضيب مطرقة . وقد يفعل الكاهن ذلك فيطرق ، أي يخلط القطن بالصوف إذا تكهن . ويجعلون هذا مثلا فيقولون : " طرق وماش " . قال :
[ ص: 451 ] عاذل قد أولعت بالترقيش إلي سرا فاطرقي وميشي
ويقال : طرق الفحل الناقة طرقا ، إذا ضربها . وطروقة الفحل : أنثاه . واستطرق فلان فلانا فحله ، إذا طلبه منه ليضرب في إبله ، فأطرقه إياه ، ويقال : هذا النبل طرقة رجل واحد ، أي صيغة رجل واحد .
والأصل الثالث : استرخاء الشيء . من ذلك الطرق ، وهو لين في ريش الطائر . قال الشاعر :
. . . . . . . . . . . .
ومنه أطرق فلان في نظره . والمطرق : المسترخي العين . قال :
وما كنت أخشى أن تكون وفاته بكفي سبنتى أزرق العين مطرق
وقال في الإطراق :
فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى مساغا لناباه الشجاع لصمما
[ ص: 452 ] ومن الباب الطريقة ، وهو اللين والانقياد . يقولون في المثل : " إن تحت طريقته لعندأوة " . أي إن في لينه بعض العسر أحيانا . فأما الطرق فقال قوم : هذا اعوجاج في الساق من غير فحج . وقال قوم : الطرق : ضعف في الركبتين . وهذا القول أقيس وأشبه لسائر ما ذكرناه من اللين والاسترخاء .
والأصل الرابع : خصف شيء على شيء . يقال : نعل مطارقة ، أي مخصوفة . وخف مطارق ، إذا كان قد ظوهر له نعلان . وكل خصفة طراق . وترس مطرق ، إذا طورق بجلد على قدره . ومن هذا الباب الطرق ، وهو الشحم والقوة ، وسمي بذلك لأنه شيء كأنه خصف به . يقولون : ما به طرق ، أي ما به قوة . قال
أبو محمد عبد الله بن مسلم : أصل الطرق الشحم ; لأن القوة أكثر ما تكون [ عنه ] . ومن هذا الباب الطرق : مناقع المياه ; وإنما سميت بذلك تشبيها بالشيء يتراكب بعضه على بعض . كذلك الماء إذا دام تراكب . قال رؤبة :
للعد إذ أخلفه ماء الطرق
ومن الباب ، وقد ذكرناه أولا وليس ببعيد أن يكون من هذا القياس : الطريق ; وذلك أنه شيء يعلو الأرض ، فكأنها قد طورقت به وخصفت به . ويقولون : تطارقت الإبل ، إذا جاءت يتبع بعضها بعضا . وكذلك الطريق ، وهو النخل الذي على صف واحد ، وهذا تشبيه ، كأنه شبه بالطريق في تتابعه وعلوه الأرض . قال
الأعشى :
[ ص: 453 ] ومن كل أحوى كجذع الطريق يزين الفناء إذا ما صفن
ومنه [ ريش ] طراق ، إذا كان تطارق بعضه فوق بعض ، وخرج القوم مطاريق ، إذا جاءوا مشاة لا دواب لهم ، فكأن كل واحد منهم يخصف بأثر قدميه أثر الذي تقدم . ويقال : جاءت الإبل على طرقة واحدة ، وعلى خف واحد ; وهو الذي ذكرناه من أنها تخصف بآثارها آثار غيرها . واختضبت المرأة طرقتين ، إذا أعادت الخضاب ، كأنها تخصف بالثاني الأول . ثم يشتق من الطريق فيقولون : طرقت المرأة عند الولادة ، كأنها جعلت للمولود طريقا . ويقال - وهو ذلك الأول - : لا يقال طرقت إلا إذا خرج من الولد نصفه ثم احتبس بعض الاحتباس ثم خرج . تقول : طرقت ثم خلصت .
ومما يشبه هذا قولهم طرقت القطاة ، إذا عسر عليها بيضها ففحصت الأرض بجؤجئها .