باب العين والنون وما يثلثهما
( عنى ) العين والنون والحرف المعتل أصول ثلاثة : الأول القصد للشيء بانكماش فيه وحرص عليه ، والثاني دال على خضوع وذل ، والثالث ظهور شيء وبروزه .
فالأول منه عنيت بالأمر وبالحاجة . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابن الأعرابي : عني بحاجتي وعني - وغيره قال أيضا ذلك . ويقال مثل ذلك : تعنيت أيضا ، كل ذلك يقال - عناية وعنيا فأنا معني به وعن به . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي : لا يقال عني . قال
الفراء : رجل عان بأمري ، أي معني به . وأنشد :
عان بقصواها طويل الشغل له جفيران وأي نبل
ومن الباب : عناني هذا الأمر يعنيني عناية ، وأنا معني [ به ] واعتنيت به وبأمره .
والأصل الثاني قولهم : عنا يعنو ، إذا خضع . والأسير عان . قال
أبو عمرو : أعن هذا الأسير ، أي دعه حتى ييبس القد عليه . قال
زهير :
[ ص: 147 ] ولولا أن ينال أبا طريف إسار من مليك أو عناء
قال
الخليل : العنو والعناء : مصدر للعاني . يقال عان أقر بالعنو ، وهو الأسير . والعاني : الخاضع المتذلل . قال الله - تعالى - :
وعنت الوجوه للحي القيوم . وهي تعنو عنوا . ويقال للأسير : عنا يعنو . قال :
ولا يقال طوال الدهر عانيها
وربما قالوا : أعنوه ، أي ألقوه في الإسار . وكانت تلبية أهل اليمن في الجاهلية هذا :
جاءت إليك عانيه عبادك اليمانيه كيما تحج الثانيه
على قلاص ناجيه
ويقولون : العاني : العبد . والعانية : الأمة . قال
أبو عمرو : وأعنيته إذا جعلته مملوكا . وهو عان بين العناء . والعنوة : القهر . يقال أخذناها عنوة ، أي قهرا بالسيف . ويقال : جئت إليك عانيا ، أي خاضعا . ويقولون : العنوة : الطاعة . قال :
هل أنت مطيعي أيها القلب عنوة
والعناء معروف ، وهو من هذا . قال
الشيباني : ربت عنوة لك من هذا الأمر ، أي : عناء . قال
القطامي :
ونأت بحاجتنا وربت عنوة لك من مواعدها التي لم تصدق
[ ص: 148 ] قالوا : وتقول العرب : عنوت عند فلان عنوا ، إذا كنت أسيرا عنده . ويقولون في الدعاء على الأسير : لا فك الله عنوته ! بالضم ، أي إساره .
ومن هذا الباب ، وهو عندنا قياس صحيح : العنية ، وذلك أنها تعني كأنها تذل وتقهر وتشتد على من طلي بها . والعنية : أبوال الإبل تخثر ، وذلك إذا وضعت في الشمس . ويقولون : بل العنية بول يعقد بالبعر . قال
أوس :
كأن كحيلا معقدا أو عنية على رجع ذفراها من الليث واكف
قال
أبو عبيد من أمثال العرب : " عنية تشفي الجرب " ، يضرب مثلا لمن يتداوى بعقله ورأيه ، كما تداوى الإبل الجربى بالعنية . قال بعضهم : عنيت البعير ، أي طليته بالعنية . وأنشد :
على كل حرباء رعيل كأنه حمولة طال بالعنية ممهل
والأصل الثالث : عنيان الكتاب ، وعنوانه ، وعنيانه . وتفسيره عندنا أنه البارز منه إذا ختم . ومن هذا الباب معنى الشيء . ولم يزد
الخليل على أن قال : معنى كل شيء : محنته وحاله التي يصير إليها أمره .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابن الأعرابي : يقال ما أعرف معناه ومعناته . والذي يدل عليه قياس اللغة أن المعنى هو القصد الذي يبرز ويظهر في الشيء إذا بحث عنه . يقال : هذا
[ ص: 149 ] معنى الكلام ومعنى الشعر ، أي الذي يبرز من مكنون ما تضمنه اللفظ . والدليل على القياس قول العرب : لم تعن هذه الأرض شيئا ولم تعن أيضا ، وذلك إذا لم تنبت ، فكأنها إذ كانت كذا فإنها لم تفد شيئا ولم تبرز خيرا . ومما يصححه قول القائل :
ولم يبق بالخلصاء مما عنت به من البقل إلا يبسها وهجيرها
ومما يصححه أيضا قولهم : عنت القربة تعنو ، وذلك إذا سال ماؤها . قال
المتنخل :
تعنو بمخروت
قال
الخليل : عنوان الكتاب يقال منه : عنيت الكتاب ، وعننته ، وعنونته . قال : وهو فيما ذكروا مشتق من المعنى . قال غيره : من جعل العنوان من المعنى قال : عنيت بالياء في الأصل . وعنوان تقديره فعوال . وقولك عنونت فهو فعولت . قال
الشيباني : يقال ما عنا من فلان خير ، وما يعنو من عملك هذا خير عنوا .