[ ص: 86 ] 141
ثم دخلت سنة إحدى وأربعين ومائة
ذكر
خروج الراوندية
وفي هذه السنة كان خروج
الراوندية على
المنصور ، وهم قوم من
أهل خراسان على رأي
أبي مسلم صاحب الدعوة ، يقولون بتناسخ الأرواح ، يزعمون أن روح
آدم في
عثمان بن نهيك ، وأن ربهم الذي يطعمهم ويسقيهم هو
المنصور ، وأن
جبرائيل هو
الهيثم بن معاوية .
فلما ظهروا أتوا قصر
المنصور فقالوا : هذا قصر ربنا . فأخذ
المنصور رؤساءهم ، فحبس منهم مائتين ، فغضب أصحابهم ، وأخذوا نعشا ، وحملوا السرير ، وليس في النعش أحد ، ومروا به حتى صاروا على باب السجن فرموا بالنعش ، وحملوا على الناس ودخلوا السجن وأخرجوا أصحابهم .
وقصدوا نحو
المنصور ، وهم يومئذ ستمائة رجل ، فتنادى الناس ، وغلقت أبواب المدينة فلم يدخل أحد ، فخرج
المنصور من القصر ماشيا ، ولم يكن في القصر دابة ، فجعل بعد ذلك [ اليوم ] يرتبط دابة معه في القصر .
فلما خرج
المنصور أتي بدابة فركبها وهو يريدهم ، ( وتكاثروا عليه حتى كادوا يقتلونه ) ، وجاء
nindex.php?page=showalam&ids=17125معن بن زائدة ( الشيباني ، وكان مستترا من
المنصور بقتاله مع
ابن هبيرة ، كما ذكرناه ،
والمنصور شديد الطلب له وقد بذل فيه مالا كثيرا ، فلما كان هذا اليوم حضر عند
المنصور متلثما ، وترجل وقاتل قتالا شديدا ، وأبلى بلاء حسنا ، وكان
المنصور راكبا على بغلة ولجامها بيد
الربيع حاجبه .
فأتى
معن وقال : تنح فأنا أحق بهذا اللجام منك في هذا الوقت وأعظم غناء . فقال
المنصور : صدق فادفعه إليه . فلم يزل يقاتل حتى تكشفت الحال وظفر
بالراوندية . فقال له
المنصور : من أنت ؟ قال : طلبتك يا أمير المؤمنين
nindex.php?page=showalam&ids=17125معن بن زائدة . فقال : آمنك الله على نفسك ومالك وأهلك ، مثلك يصطنع ) .
[ ص: 87 ] وجاء
أبو نصر مالك بن الهيثم فوقف على باب
المنصور وقال : أنا اليوم بواب . ونودي في أهل السوق فرموهم وقاتلوهم ، وفتح باب المدينة فدخل الناس ، فجاء
خازم بن خزيمة فحمل عليهم حتى ألجأهم إلى الحائط ، ثم حملوا عليه فكشفوه مرتين .
فقال
خازم للهيثم بن شعبة : إذا كروا علينا فاستبقهم إلى الحائط ، فإذا رجعوا فاقتلهم . فحملوا على
خازم ، فاطرد لهم وصار
الهيثم من ورائهم فقتلوا جميعا .
وجاءهم يومئذ
عثمان بن نهيك فكلمهم ، فرموه بسهم عند رجوعه فوقع بين كتفيه ، فمرض أياما ومات منها ، فصلى عليه
المنصور ، وجعل على حرسه بعده
عيسى بن نهيك ، فكان على الحرس حتى مات ، فجعل على الحرس
أبو العباس الطوسي ، وكان ذلك كله بالمدينة الهاشمية [
بالكوفة ] .
فلما صلى
المنصور الظهر دعا بالعشاء ، وأحضر معنا ورفع منزلته ، وقال لعمه
nindex.php?page=showalam&ids=16746عيسى بن علي بن عبد الله بن عباس : يا
أبا العباس ، أسمعت بأشد رجل ؟ قال : نعم . قال : لو رأيت اليوم معنا لعلمت أنه منهم .
فقال
معن : والله يا أمير المؤمنين ، لقد أتيتك وإني لوجل القلب ، فلما رأيت ما عندك من الاستهانة بهم ، وشدة الإقدام عليهم رأيت ما لم أره من خلق في حرب ، فشد ذلك من قلبي وحملني على ما رأيت مني .
وقيل : كان
معن متخفيا من
المنصور لما كان منه من قتاله مع
ابن هبيرة ، كما ذكرناه ، وكان اختفاؤه عند
أبي الخصيب حاجب
المنصور ، وكان على أن يطلب [ له ] الأمان ، فلما خرجت
الراوندية جاء
معن فوقف بالباب ، فسأل
المنصور أبا الخصيب : من بالباب ؟ فقال :
nindex.php?page=showalam&ids=17125معن بن زائدة .
فقال
المنصور : رجل من العرب ، شديد النفس ، عالم بالحرب ، كريم الحسب ، أدخله ، فلما دخل قال : إيه يا
معن ! ما الرأي ؟ قال : الرأي أن تنادي في الناس فتأمر لهم بالأموال . فقال : وأين الناس والأموال ؟ ومن تقدم على أن يعرض نفسه لهؤلاء العلوج ! لم تصنع شيئا يا
معن ! الرأي أن أخرج فأقف للناس ، فإذا رأوني قاتلوا وتراجعوا إلي ، وإن أقمت تهاونوا وتخاذلوا .
فأخذ
معن بيده وقال : لا أمير المؤمنين إذا ، والله تقتل الساعة ، فأنشدك الله في نفسك ! فقال له
أبو الخصيب مثلها ، فجذب ثوبه منهما وركب دابته ، وخرج
ومعن آخذ بلجام دابته ،
وأبو الخصيب مع ركابه ، وأتاه رجل فقتله
معن حتى قتل أربعة في تلك الحالة ، حتى اجتمع إليه الناس فلم يكن إلا ساعة حتى أفنوهم .
[ ص: 88 ] ثم تغيب
معن ، فسأل
المنصور عنه
أبا الخصيب فقال : لا أعلم مكانه . فقال
المنصور : أيظن
معن أن لا أغفر ذنبه بعد بلائه ؟ أعطه الأمان وأدخله علي ، فأدخله إليه ، فأمر له بعشرة آلاف درهم ، ثم ولاه
اليمن .