ذكر
حملهم إلى العراق ولما حج
المنصور سنة أربع وأربعين ومائة أرسل
محمد بن عمران بن إبراهيم بن محمد بن طلحة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك بن أنس إلى
بني الحسن ، وهم في الحبس ، يسألهم أن يدفعوا إليه
محمدا ،
وإبراهيم ابني عبد الله ، فدخلا عليهم
وعبد الله قائم يصلي ، فأبلغاهم الرسالة ، فقال
الحسن بن الحسن أخو
عبد الله : هذا عمل ابني المشومة ! أما والله ما هذا عن رأينا ولا عن ملإ منا ولنا فيه حكم .
فقال له أخوه
إبراهيم : علام تؤذي أخاك في ابنيه وتؤذي ابن أخيك في أمه ؟ ثم فرغ
عبد الله من صلاته فأبلغاه الرسالة ، فقال : لا والله ( لا أرد عليكما حرفا ، إن أحب ) أن يأذن لي فألقاه فليفعل . فانطلق الرسولان فأبلغا
المنصور ، فقال : أراد أن يسحرني ، لا والله لا ترى عينه عيني حتى يأتيني بابنيه .
وكان
عبد الله لا يحدث أحدا قط إلا فتله عن رأيه .
[ ص: 105 ] ثم سار
المنصور لوجهه ، فلما حج ورجع لم يدخل
المدينة ومضى إلى
الربذة ، فخرج إليه
رياح إلى
الربذة ، فرده إلى
المدينة ، وأمره بإشخاص
بني الحسن إليه ومعهم
محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان أخو
بني الحسن لأمهم ، فرجع
رياح فأخذهم ، وسار بهم إلى
الربذة ، وجعلت القيود والسلاسل في أرجلهم وأعناقهم ، وجعلهم في محامل بغير وطاء .
ولما خرج بهم
رياح من
المدينة وقف
nindex.php?page=showalam&ids=15639جعفر بن محمد من وراء ستر يراهم ويرونه وهو يبكي ودموعه تجري على لحيته وهو يدعو الله ، ثم قال : والله لا يحفظ الله حرميه بعد هؤلاء .
ولما ساروا كان
محمد وإبراهيم ابنا عبد الله يأتيان كهيئة الأعراب فيسايران أباهما ويستأذنانه بالخروج ، ويقول : لا تعجلا حتى يمكنكما ذلك . وقال لهما : إن منعكما
أبو جعفر ، يعني
المنصور ، أن تعيشا كريمين فلا يمنعكما أن تموتا كريمين .
فلما وصلوا إلى
الربذة أدخل
محمد بن عبد الله العثماني على
المنصور وعليه قميص وإزار رقيق ، فلما وقف بين يديه قال : إيها يا ديوث ! قال
محمد : سبحان الله ! لقد عرفتني بغير ذلك صغيرا وكبيرا ! قال : فممن حملت ابنتك رقية ؟ وكانت تحت
إبراهيم بن عبد الله بن الحسن ، وقد أعطيتني الأيمان أن لا تغشني ولا تمالئ علي عدوا ، ثم أنت ترى ابنتك حاملا وزوجها غائب ، وأنت بين أن تكون حانثا أو ديوثا ! وايم الله إني لأهم برجمها ! قال
محمد : أما أيماني فهي علي إن كنت دخلت لك في أمر غش علمته ، وأما ما رميت به هذه الجارية فإن الله قد أكرمها بولادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياها ، ولكني ظننت حين ظهر حملها أن زوجها ألم بها على حين غفلة .
فاغتاظ
المنصور من كلامه ، وأمر بشق ثيابه عن ( إزاره فحكي أن عورته قد كشفت ) ، ثم أمر به فضرب خمسين ومائة سوط ، فبلغت منه كل مبلغ
والمنصور يفتري عليه لا يني ، فأصاب سوط منها وجهه ، فقال : ويحك اكفف عن وجهي ! فإن له حرمة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأغرى
المنصور فقال للجلاد : الرأس الرأس ! فضرب على رأسه نحوا من ثلاثين سوطا ،
[ ص: 106 ] وأصاب إحدى عينيه سوط فسالت ، ثم أخرج وكأنه زنجي من الضرب ، وكان من أحسن الناس ، وكان يسمى الديباج لحسنه .
فلما أخرج وثب إليه مولى له فقال : ألا أطرح ردائي عليك ؟ قال : بلى جزيت خيرا ! والله إن لشفوف إزاري أشد علي من الضرب .
وكان سبب أخذه أن
رياحا قال
للمنصور : يا أمير المؤمنين أما
أهل خراسان فشيعتك ، وأما
أهل العراق فشيعة
آل أبي طالب ، وأما
أهل الشام فوالله ما
علي عندهم إلا كافر ، ولكن
محمد بن عبد الله العثماني لو دعا
أهل الشام ما تخلف عنه منهم أحد . فوقعت في نفس
المنصور ، فأمر به فأخذ معهم ، وكان حسن الرأي فيه قبل ذلك .
ثم إن
أبا عون كتب إلى
المنصور : إن
أهل خراسان قد تعاشوا عني وطال عليهم أمر
محمد بن عبد الله . فأمر
المنصور بمحمد بن عبد الله بن عمر العثماني فقتل ، وأرسل رأسه إلى
خراسان ، وأرسل معه من يحلف أنه رأس
محمد بن عبد الله وأن أمه
nindex.php?page=showalam&ids=129فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما قتل قال أخوه
عبد الله بن الحسن : إنا لله وإنا إليه راجعون ! إن كنا لنأمن به في سلطانهم ثم قد قتل منا في سلطاننا !
ثم إن
المنصور أخذهم وسار بهم من
الربذة فمر بهم على بغلة شقراء ، فناداه
عبد الله بن الحسن : يا
أبا جعفر ما هكذا فعلنا بأسرائكم يوم
بدر ! فأخسأه
أبو جعفر ، وثقل عليه ومضى .
فلما قدموا إلى
الكوفة ، قال
عبد الله لمن معه : أما ترون في هذه القرية من يمنعنا من هذا الطاغية ؟ قال : فلقيه
الحسن وعلي ابنا أخيه مشتملين على سيفين فقالا له : قد جئناك يا ابن رسول الله فمرنا بالذي تريد . قال : قد قضيتما ما عليكما ولن تغنيا في هؤلاء شيئا ، فانصرفا .
ثم إن
المنصور أودعهم بقصر
ابن هبيرة شرقي
الكوفة ، وأحضر
المنصور محمد بن إبراهيم بن الحسن ، وكان أحسن الناس صورة ، فقال له : أنت الديباج الأصغر ؟ قال : نعم .
[ ص: 107 ] قال : لأقتلنك قتلة لم أقتلها أحدا ! ثم أمر به فبني عليه أسطوانة وهو حي فمات فيها .
وكان
إبراهيم بن الحسن أول من مات منهم ، ثم
عبد الله بن الحسن فدفن قريبا من حيث مات ، فإن يكن في القبر الذي يزعم الناس أنه قبره وإلا فهو قريب منه . ثم مات
nindex.php?page=showalam&ids=15877علي بن الحسن .
وقيل : إن
المنصور أمر بهم فقتلوا ، وقيل : بل أمر بهم فسقوا السم ، وقيل : وضع
المنصور على
عبد الله من قال له إن ابنه
محمدا قد خرج فقتل فانصدع قلبه فمات ، والله أعلم .
ولم ينج منهم إلا
سليمان وعبد الله ابنا داود بن الحسن بن الحسن بن علي ،
وإسحاق وإسماعيل ابنا إبراهيم بن الحسن بن الحسن ،
وجعفر بن الحسن ، وانقضى أمرهم .