صفحة جزء
[ ص: 162 ] 150

ثم دخلت سنة خمسين ومائة

ذكر خروج أستاذ سيس .

وفيها خرج أستاذ سيس في أهل هراة وباذغيس وسجستان وغيرها من خراسان ، وكان فيما قيل في ثلاثمائة ألف مقاتل ، فغلبوا على عامة خراسان ، وساروا حتى التقوا هم وأهل مرو الروذ .

فخرج إليهم الأجثم المروروذي في أهل مرو الروذ ، فقاتلوه قتالا شديدا ، فقتل الأجثم ، وكثر القتل في أصحابه ، وهزم عدة من القواد ، منهم : معاذ بن مسلم ، وجبرائيل بن يحيى ، وحماد بن عمرو ، وأبو النجم السجستاني ، وداود بن كرار .

ووجه المنصور ، وهو بالراذان ، خازم بن خزيمة إلى المهدي ، فولاه المهدي محاربة أستاذ سيس وضم إليه القواد . فسار خازم وأخذ معه من انهزم ، وجعلهم في أخريات الناس يكثر بهم من معه ، وكان معه من هذه الطبقة اثنان وعشرون ألفا .

ثم انتخب منهم ستة آلاف رجل وضمهم إلى اثني عشر ألفا كانوا معه من المنتخبين ، وكان بكار بن سلم فيمن انتخب ، وتعبأ للقتال ، فجعل الهيثم بن شعبة بن ظهير على ميمنته ، ونهار بن حصين السعدي على ميسرته ، وبكار بن سلم العقيلي في مقدمته ، وكان لواؤه مع الزبرقان .

فمكر بهم وراوغهم ( في أن ينقلهم ) من موضع إلى موضع وخندق إلى خندق حتى قطعهم ، وكان أكثرهم رجالة ، ثم سار خازم إلى موضع فنزله وخندق عليه وعلى جميع أصحابه ، وجعل له أربعة أبواب ، وجعل على كل باب ألفا من أصحابه الذين انتخب .

وأتى أصحاب أستاذ سيس ومعهم الفئوس والمرور والزبل ليطموا الخندق ، فأتوا [ ص: 163 ] الخندق من الباب الذي عليه بكار بن سلم ، فحملوا على أصحاب بكار حملة هزموهم بها ، فرمى بكار بنفسه ، فترجل على باب الخندق وقال لأصحابه : لا يؤتى المسلمون من ناحيتنا .

ترجل معه من أهله وعشيرته نحو من خمسين رجلا وقاتلوهم حتى ردوهم من بابهم ، ثم أقبل إلى الباب الذي عليه خازم رجل من أصحاب أستاذ سيس من أهل سجستان اسمه الحريش ، وهو الذي كان يدبر أمره ، فلما رآه خازم مقبلا بعث إلى الهيثم بن شعبة ، وكان في الميمنة ، يأمره أن يخرج من الباب الذي عليه بكار ، فإن من بإزائه قد شغلوا عنهم ، ويسير حتى يغيب عن أبصارهم ، ثم يرجع من خلف العدو ، وقد كانوا يتوقعون قدوم أبي عون ، وعمرو بن سلم بن قتيبة من طخارستان .

وبعث خازم إلى بكار : إذا رأيت رايات الهيثم قد جاءت كبروا وقولوا : قد جاء أهل طخارستان . ففعل ذلك الهيثم ، وخرج خازم في القلب على الحريش وشغلهم بالقتال ، وصبر بعضهم لبعض .

فبينا هم على ذلك نظروا إلى أعلام الهيثم فتنادوا بينهم : جاء أهل طخارستان ، فلما نظروا إليها حمل عليهم أصحاب خازم فكشفوهم ، ولقيهم أصحاب الهيثم فطعنوهم بالرماح ورموهم بالنشاب .

وخرج [ عليهم ] نهار بن حصين من ناحية الميسرة ، وبكار بن سلم وأصحابه من ناحيتهم ، فهزموهم ووضعوا فيهم السيوف ، فقتلهم المسلمون فأكثروا ، وكان عدد من قتل سبعين ألفا ، وأسروا أربعة عشر ألفا ، ونجا أستاذ سيس إلى جبل في نفر يسير ، فحصرهم خازم ، وقتل الأسرى .

ووافاه أبو عون وعمرو بن سلم ومن معهما ، فنزل أستاذ سيس على حكم أبي عون ، فحكم أن يوثق أستاذ سيس وبنوه وأهل بيته بالحديد ، وأن يعتق الباقون وهم ثلاثون ألفا ، فأمضى خازم حكمه وكسا كل رجل ثوبين ، وكتب إلى المهدي بذلك ، فكتب المهدي إلى المنصور .

وقيل : إن خروج أستاذ سيس كان سنة خمسين ، وكانت هزيمته سنة إحدى وخمسين ومائة .

وقد قيل : إن أستاذ سيس ادعى النبوة ، وأظهر أصحابه الفسق وقطع السبيل .

[ ص: 164 ] وقيل : إنه جد المأمون أبو أمه مراجل ، وابنه غالب خال المأمون ، وهو الذي قتل ذا الرياستين الفضل بن سهل لمواطأة من المأمون ، وسيرد ذكره إن شاء الله .

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة عزل المنصور جعفر بن سليمان عن المدينة وولاها الحسن بن زيد بن الحسن بن علي .

وفيها خرج بالأندلس غياث بن المسير الأسدي بنائحة ، فجمع العمال لعبد الرحمن جمعا كثيرا ، وسار إلى غياث ، فواقعه ، فانهزم غياث ومن معه وقتل غياث وبعث برأسه إلى عبد الرحمن بقرطبة ) .

وفيها مات جعفر بن أبي جعفر المنصور ، وصلى عليه أبوه ، ودفن ليلا في مقابر قريش ، ولم يكن للناس [ في هذه السنة ] صائفة .

وحج بالناس عبد الصمد بن علي ، وكان هو العامل على مكة في قول بعضهم ، وقال بعضهم : بل كان العامل محمد بن إبراهيم .

وكان على الكوفة محمد بن سليمان بن علي ، وعلى البصرة عقبة بن سلم ، وعلى قضائها سوار ، وعلى مصر يزيد بن حاتم .

[ الوفيات ]

وفي هذه السنة مات الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان بن ثابت . ومعمر بن راشد . [ ص: 165 ] وعمر بن ذر ، وقيل : مات عمر سنة خمس وخمسين ومائة ، وكان من الصالحين ، يقول بالإرجاء .

وفي سنة خمسين مات عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج . و محمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي ، وقيل : مات سنة إحدى وخمسين .

وفيها مات مقاتل بن سليمان البلخي المفسر ، وكان ضعيفا في الحديث ، وأبو جناب الكلبي ، وعثمان بن الأسود ، وسعيد بن أبي عروبة ، واسم أبي عروبة مهران مولى بني يشكر ، كنيته أبو النضر .

( يسار بالياء تحتها نقطتان ، وبالسين المهملة ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية