ذكر
خلافة المهدي والبيعة له
ذكر
علي بن محمد النوفلي عن أبيه قال : خرجت من
البصرة حاجا ، فاجتمعت
بالمنصور بذات عرق ، فكنت أسلم عليه كلما ركب ، وقد أشفى على الموت ، فلما صار
[ ص: 206 ] ببئر ميمون ونزل به ، ودخلنا
مكة ، فقضيت عمرتي ، وكنت أختلف إلى
المنصور ، فلما كان في الليلة التي مات فيها ، ولم نعلم ، صليت الصبح
بمكة ، وركبت أنا
ومحمد بن عون بن عبد الله بن الحارث ، وكان من مشايخ
بني هاشم وسادتهم ، فلما صرنا
بالأبطح لقينا
العباس بن محمد nindex.php?page=showalam&ids=16970ومحمد بن سليمان في خيل إلى
مكة ، فسلمنا عليهما ومضينا ، فقلت
لمحمد : أحسب الرجل قد مات ، فكان كذلك .
ثم أتينا العسكر ، فإذا
موسى بن المهدي قد صدر عند عمود السرادق ،
والقاسم بن المنصور في ناحية من السرادق ، وقد كان قبل ذلك يسير بين
المنصور وبين صاحب الشرطة ، ورفع الناس إليه القصص ، فلما رأيته علمت أن
المنصور قد مات .
وأقبل
nindex.php?page=showalam&ids=14441الحسن بن زيد العلوي ، وجاء الناس حتى ملئوا السرادق ، وسمعنا همسا من بكاء ، وخرج أبو
العنبر ، خادم المنصور ، مشقق الأقبية ، وعلى رأسه التراب ، وصاح : واأمير المؤمنيناه ! فما بقي أحد إلا قام ، ثم تقدموا ليدخلوا عليه ، فمنعهم الخدم .
وقال
ابن عياش المنتوف : سبحان الله ! أما شهدتم موت خليفة قط ؟ اجلسوا ، فجلسوا ، وقام
القاسم فشق ثيابه ، ووضع التراب على رأسه ،
وموسى على حاله .
ثم خرج
الربيع وفي يده قرطاس ، ففتحه ، فقرأه ، فإذا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم ، من
عبد الله المنصور ، أمير المؤمنين ، إلى من خلف من
بني هاشم ، وشيعته من أهل
خراسان ، وعامة المسلمين ، ثم بكى ، وبكى الناس ، ثم قال : قد أمكنكم البكاء ، فأنصتوا ، رحمكم الله .
ثم قرأ : أما بعد ، فإني كتبت كتابي هذا ، وأنا حي في آخر يوم من أيام الدنيا ، وأول يوم من أيام الآخرة ، أقرأ عليكم السلام ، وأسأل الله أن لا يفتنكم بعدي ولا يلبسكم شيعا ، ولا يذيق بعضكم بأس بعض .
ثم أخذ في وصيتهم
بالمهدي ، وإذكارهم البيعة له ، وحثهم على الوفاء بعهده ، ثم تناول يد
الحسن بن زيد وقال : قم فبايع ! فقام إلى
موسى فبايعه ، ثم بايعه الناس الأول فالأول ، ثم أدخل
بنو هاشم على
المنصور وهو في أكفانه ، مكشوف الرأس ، فحملناه ، حتى أتينا به
مكة ثلاث أميال ، فكأني أنظر إليه والريح تحرك شعر صدغيه ،
[ ص: 207 ] وذلك أنه كان وفر شعره للحلق ، وقد نصل خضابه ، حتى أتينا به حفرته .
وكان أول شيء ارتفع به
علي بن عيسى بن ماهان أن
nindex.php?page=showalam&ids=16752عيسى بن موسى أبى البيعة ، فقال
علي بن عيسى بن ماهان : والله لتبايعن أو لأضربن عنقك ! فبايع .
ثم وجه
موسى بن المهدي والربيع إلى
المهدي بخبر وفاة
المنصور ، وبالبيعة له مع
منارة مولى المنصور ، وبعثا أيضا بالقضيب ، وبردة النبي - صلى الله عليه وسلم - وبخاتم الخلافة ، وخرجوا من مكة ، فقدم الخبر على
المهدي مع منارة ، منتصف ذي الحجة ، فبايعه أهل
بغداذ .
وقيل : إن
الربيع كتم موت
المنصور ، وألبسه ، وسنده ، وجعل على وجهه كلة خفيفة يرى شخصه منها ، ولا يفهم أمره ، وأدنى أهله منه ، ثم قرب منه
الربيع كأنه يخاطبه ، ثم رجع إليهم ، وأمرهم عنه بتجديد البيعة
للمهدي ، فبايعوا ، ثم أخرجهم ، وخرج إليهم باكيا مشقق الجيب ، لاطما رأسه .
فلما بلغ ذلك
المهدي أنكره على
الربيع ، وقال : أما منعتك جلالة أمير المؤمنين أن فعلت به ما فعلت ؟ وقيل ضربه ، ولم يضح ضربه .