[ ص: 301 ] ذكر
ولاية هرثمة بن أعين بلاد إفريقية .
اتفق وصول
يحيى بن موسى من عند
الرشيد لما قصد
العلاء ومن معه
القيروان ، وكان سبب وصوله أن
الرشيد بلغه ما صنع
ابن الجارود ، وإفساده
إفريقية ، فوجه
هرثمة بن أعين ومعه
يحيى بن موسى ، لمحله عند أهل
خراسان ، وأمر أن يتقدم
يحيى ، ويلطف
بابن الجارود ، ويستميله ليعاود الطاعة قبل وصول
هرثمة .
فقدم
يحيى القيروان ، فجرى بينه وبين
ابن الجارود كلام كثير ، ودفع إليه كتاب
الرشيد ، فقال : أنا على السمع والطاعة ، وقد قرب مني
العلاء بن سعيد ومعه
البربر ، فإن تركت
القيروان وثب
البربر فملكوها ، فأكون قد ضيعت بلاد أمير المؤمنين ، ولكني أخرج إلى
العلاء فإن ظفر بي فشأنكم والثغور ، وإن ظفرت به انتظرت قدوم
هرثمة فأسلم البلاد إليه ، وأسير إلى أمير المؤمنين .
وكان قصده المغالطة ، فإن ظفر
بالعلاء منع
هرثمة عن البلاد ، فعلم
يحيى ذلك ، وخلا
nindex.php?page=showalam&ids=12830بابن الفارسي ، وعاتبه على ترك الطاعة ، فاعتذر ، وحلف أنه عليها ، وبذل من نفسه المساعدة على
ابن الجارود ، فسعى
ابن الفارسي في إفساد حاله ، واستمال جماعة من أجناده ، فأجابوه ، وكثر جمعه ، وخرج إلى قتال
ابن الجارود .
فقال
ابن الجارود لرجل من أصحابه اسمه
طالب : إذا تواقفنا فإنني سأدعو
ابن الفارسي لأعاتبه فاقصده أنت وهو غافل فاقتله ! فأجابه إلى ذلك ، وتواقف العسكران ، ودعا
ابن الجارود محمد بن الفارسي وكلمه ، وحمل
طالب عليه وهو غافل فقتله ، وانهزم أصحابه ، وتوجه
يحيى بن موسى إلى
هرثمة بطرابلس .
وأما
العلاء بن سعيد فإنه لما علم الناس بقرب
هرثمة منهم كثر جمعه ، وأقبلوا إليه من كل ناحية ، وساروا إلى
ابن الجارود ، فعلم
ابن الجارود أنه لا قوة له به ، فكتب إلى
يحيى بن موسى يستدعيه ليسلم إليه
القيروان ، فسار إليه في جند
طرابلس في المحرم سنة تسع وسبعين ومائة ، فلما وصل
قابس تلقاه عامة الجند ، وخرج
ابن الجارود من
القيروان مستهل صفر ، وكانت ولايته سبعة أشهر .
وأقبل
العلاء بن سعيد ويحيى بن موسى يستبقان إلى
القيروان ، ( كل منهما يريد أن يكون الذكر له ) ، فسبقه
العلاء ودخلها ، وقتل جماعة من
[ ص: 302 ] أصحاب
ابن الجارود ، وسار إلى
هرثمة وسار
ابن الجارود أيضا إلى
هرثمة ، فسيره
هرثمة إلى
الرشيد ، وكتب إليه يعلمه أن
العلاء كان سبب خروجه ، فكتب
الرشيد يأمره بإرسال
العلاء إليه ، فسيره ، فلما وصل لقيه صلة كثيرة من
الرشيد وخلع ، فلم يلبث
بمصر إلا قليلا حتى توفي .
وأما
ابن الجارود فإنه اعتقل
ببغداذ ، وسار
هرثمة إلى
القيروان ، فقدمها في ربيع الأول سنة تسع وسبعين ومائة ، فآمن الناس وسكنهم ، وبنى القصر الكبير
بالمنستير سنة ثمانين ومائة ، وبنى سور مدينة
طرابلس مما يلي البحر .
وكان
nindex.php?page=showalam&ids=12362إبراهيم بن الأغلب بولاية
الزاب ، فأكثر الهدية إلى
هرثمة ولاطفه ، فولاه
هرثمة ناحية من
الزاب فحسن أثره ( فيها .
ثم إن
عياض بن وهب الهواري وكليب بن جميع الكلبي جمعا جموعا ، وأرادا قتال
هرثمة ، فسير إليهما
يحيى بن موسى في جيش كثير ، ففرق جموعهما ، وقتل كثيرا من أصحابهما ، وعاد إلى
القيروان ) .
ولما رأى
هرثمة ما
بإفريقية من الاختلاف واصل كتبه إلى
الرشيد يستعفي ، فأمر بالقدوم عليه إلى
العراق ( فسار عن
إفريقية في رمضان سنة إحدى وثمانين ومائة ) ، فكانت ولايته سنتين ونصفا .