ذكر
بعض سيرته
قيل : كان
الرشيد يصلي كل يوم مائة ركعة إلى أن فارق الدنيا ، إلا من مرض ، وكان يتصدق من صلب ماله كل يوم بألف درهم بعد زكاته .
وكان إذا حج حج معه مائة من الفقهاء وأبنائهم ، فإذا لم يحج أحج ثلاثمائة رجل بالنفقة السابغة ، والكسوة الظاهرة .
وكان يطلب العمل بآثار
المنصور ، إلا في بذل المال ، فإنه لم ير خليفة قبله كان
[ ص: 393 ] أعطى منه للمال ، وكان لا يضيع عنده إحسان محسن ، ولا يؤخر ذلك .
وكان يحب الشعر والشعراء ، ويميل إلى أهل الأدب والفقه ، ويكره المراء في الدين ، وكان يحب المديح ، لا سيما من شاعر فصيح ، ويجزل العطاء عليه .
ولما مدحه
nindex.php?page=showalam&ids=17064مروان بن أبي حفصة بقصيدته التي منها :
وسدت بهارون الثغور فأحكمت به من أمور المسلمين المرائر
أعطاه خمسة آلاف دينار ، وخلعة ، وعشرة من الرقيق الرومي ، وحمله على برذون من خاص مركبه .
وقيل : كان مع
الرشيد ابن أبي مريم المديني ، وكان مضحاكا فكها ، يعرف أخبار
أهل الحجاز ، وألقاب الأشراف ، ومكايد المجان ، فكان
الرشيد لا يصبر عنه ، وأسكنه في قصره ، فجاء ذات ليلة وهو نائم ، فقام
الرشيد إلى صلاة الفجر ، فكشف اللحاف عنه وقال : كيف أصبحت ؟ فقال : ما أصبحت بعد ، اذهب إلى عملك . قال : قم إلى الصلاة ! قال : هذا وقت صلاة
أبي الجارود ، وأنا من أصحاب
أبي يوسف . فمضى
الرشيد يصلي ، وقام
nindex.php?page=showalam&ids=15974ابن أبي مريم وأتى
الرشيد ، فرآه يقرأ في الصلاة :
وما لي لا أعبد الذي فطرني فقال : ما أدري والله ! فما تمالك
الرشيد أن ضحك ، ثم قال له وهو مغضب : في الصلاة أيضا ؟ ! [ قال : يا هذا و ] ما صنعت ؟ قال : قطعت علي صلاتي . قال : والله ما فعلت ، إنما سمعت منك كلاما غمني حين قلت :
وما لي لا أعبد الذي فطرني فقلت : لا أدري ! فعاد
الرشيد فضحك ثم قال له : إياك والقرآن والدين ، ولك ما شئت بعدهما .
وقيل : استعمل
nindex.php?page=showalam&ids=17312يحيى بن خالد رجلا على بعض أعمال الخراج ، فدخل على
الرشيد يودعه وعنده
يحيى وجعفر ، فقال لهما
الرشيد : أوصياه ! فقال
يحيى : وفر ،
[ ص: 394 ] واعمر . وقال
جعفر : أنصف وانتصف ! فقال
الرشيد : اعدل وأحسن .
وقيل : حج
الرشيد مرة فدخل
الكعبة ، فرآه بعض الحجبة وهو واقف على أصابعه يقول : يا من يملك حوائج السائلين ، ويعلم ضمير الصامتين ، فإن لكل مسألة منك ردا حاضرا ، وجوابا عنيدا ، ولكل صامت منك علم محيط ، ناطق بمواعيدك الصادقة ، وأياديك الفاضلة ، ورحمتك الواسعة ، صل على
محمد ، وعلى
آل محمد ، واغفر لنا ذنوبنا ، وكفر عنا سيئاتنا يا من لا تضره الذنوب ، ولا تخفى عليه الغيوب ، ولا تنقصه مغفرة الخطايا ، يا من كبس الأرض على الماء ، وسد الهواء بالسماء ، واختار لنفسه أحسن الأسماء ، صل على
محمد ، وعلى
آل محمد ، وخر لي في جميع أموري ، يا من خشعت له الأصوات ، بأنواع اللغات ، يسألونه الحاجات ، إن من حاجتي إليك أن تغفر لي ذنوبي إذا توفيتني وصيرت في لحدي ، وتفرق عني أهلي وولدي ، اللهم لك الحمد حمدا يفضل كل حمد كفضلك على جميع الخلق ، اللهم صل على
محمد ، وعلى
آل محمد ، صلاة تكون له رضى ، وصل عليه صلاة تكون له ذخرا ، واجزه عنا الجزاء الأوفى ، اللهم أحينا سعداء ، وتوفنا شهداء ، واجعلنا سعداء مرزوقين ، ولا تجعلنا أشقياء محرومين .
وقيل : دخل
nindex.php?page=showalam&ids=12762ابن السماك على
الرشيد ، فبينما هو عنده إذ طلب ماء ، فلما أراد شربه قال له
nindex.php?page=showalam&ids=12762ابن السماك : مهلا يا أمير المؤمنين ، بقرابتك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو منعت هذه الشربة ، بكم كنت تشتريها ؟ قال : بنصف ملكي . قال : اشرب . فلما شرب قال : أسألك بقرابتك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو منعت خروجها من بدنك ، بماذا كنت تشتريها ؟ قال : بجميع ملكي . قال : إن ملكا لا يساوي شربة ماء ، ( وخروج بولة - لجدير ) أن لا ينافس فيه ! فبكى
الرشيد .
وقيل : كان
nindex.php?page=showalam&ids=14919الفضيل بن عياض يقول : ما من نفس أشد علي موتا من
nindex.php?page=showalam&ids=14370هارون الرشيد ، ولوددت أن الله زاد من عمري في عمره . فعظم على أصحابه ، فلما مات وظهرت الفتن ، وكان من
nindex.php?page=showalam&ids=15128المأمون ما حمل الناس عليه من القول بخلق القرآن - قالوا :
[ ص: 395 ] الشيخ أعلم بما تكلم به .
وقال
محمد بن المنصور البغدادي : لما حبس
الرشيد nindex.php?page=showalam&ids=11876أبا العتاهية جعل عليه عينا يأتيه بما يقول ، فرآه يوما قد كتب على الحائط :
أما والله إن الظلم لوم وما زال المسيء هو الظلوم
إلى ديان يوم الدين نمضي وعند الله تجتمع الخصوم
فأخبر بذلك
الرشيد ، فبكى ، وأحضره واستحله ، وأعطاه ألف دينار .
( وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي : صنع
الرشيد يوما طعاما كثيرا ، وزخرف مجالسه ، وأحضر
nindex.php?page=showalam&ids=11876أبا العتاهية ، فقال له : صف لنا ما نحن فيه من نعيم هذه الدنيا ) ، فقال :
عش ما بدا لك سالما في ظل شاهقة القصور
فقال : أحسنت ! ثم قال : ماذا ؟ فقال :
يسعى عليك بما اشتهيت لدى الرواح وفي البكور
فقال : أحسنت ! ثم ماذا ؟ فقال :
فإذا النفوس تقعقعت في ظل حشرجة الصدور
فهناك تعلم موقنا ما كنت إلا في غرور
فبكى
الرشيد . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14918الفضل بن يحيى : بعث إليك أمير المؤمنين لتسره ، فحزنته . فقال : دعه ، فإنه رآنا في عمى ، فكره أن يزيدنا .