ذكر
خلع الأمين والمبايعة للمأمون وعود الأمين إلى الخلافة
فلما مات
عبد الملك بن صالح نادى
الحسين بن علي بن عيسى بن ماهان في الجند ، فجعل الرجالة في السفن ، وسار الفرسان على الظهر في رجب ، فلما قدم
بغداذ لقيه القواد وأهل
بغداذ ، وعملت له القباب ، ودخل منزله .
فلما كان جوف الليل بعث إليه
الأمين يأمره بالركوب إليه ، فقال للرسول : ما أنا بمغن ، ولا مسامر ، ولا مضحك ، ولا وليت له عملا ولا مالا ، فلأي شيء يريدني هذه الساعة ؟ انصرف ، فإذا أصبحت غدوت إليه ، إن شاء الله .
وأصبح
الحسين ، فوافى باب الجسر ، واجتمع إليه الناس فقال : يا معشر
الأبناء ، إن خلافة الله لا تجاور بالبطر ، ونعمته لا تستصحب بالتجبر ، وإن
محمدا يريد أن يوقع أديانكم ، وينقل عزكم إلى غيركم ، وهو صاحب
الزواقيل ، وبالله إن طالت به مدة ليرجعن وبال ذلك عليكم ، فاقطعوا أثره قبل أن يقطع آثاركم ، وضعوا عزه قبل أن يضع عزكم ، فوالله لا ينصره ناصر منكم إلا خذل ، وما عند الله - عز وجل - لأحد هوادة ، ولا يراقب على الاستخفاف بعهوده ، والحنث بأيمانه .
ثم أمر الناس بعبور الجسر فعبروا ، وصاروا إلى سكة باب
خراسان ، وتسرعت
[ ص: 428 ] خيول
الأمين إلى
الحسين ، فقاتلوه قتالا شديدا ، فانهزم أصحاب
الأمين وتفرقوا ، فخلع
الحسين الأمين يوم الأحد لإحدى عشرة ليلة خلت من رجب ، وأخذ البيعة
للمأمون من الغد يوم الاثنين .
فلما كان يوم الثلاثاء وثب
العباس بن موسى بن عيسى بالأمين ، فأخرجه من
قصر الخلد ، وحبسه
بقصر المنصور ، وأخرج أمه
زبيدة أيضا ، فجعلها مع ابنها .
فلما كان يوم الأربعاء طالب الناس
الحسين بالأرزاق ، وماجوا بعضهم في بعض ، فقام
محمد بن خالد بباب
الشام ، فقال : أيها الناس ! والله ما أدري بأي سبب تأمر
الحسين بن علي علينا ، ويتولى هذا الأمر دوننا ؟ ما هو بأكبرنا سنا ، وما هو بأكبرنا حسبا ، ولا بأعظمنا منزلة وغنى ، وإني أولكم أنقض عهده ، وأظهر الإنكار لفعله ، فمن كان على رأيي فليعتزل معي .
وقال
أسد الحربي : يا معشر الحربية ! هذا يوم له ما بعده ، إنكم قد نمتم فطال نومكم ، وتأخرتم فتقدم عليكم غيركم ، وقد ذهب أقوام بخلع
الأمين ، فاذهبوا أنتم بذكر فكه وإطلاقه .
وأقبل شيخ على فرس فقال : أيها الناس ، هل تعتدون على
محمد بقطع أرزاقهم ؟ قالوا : لا ! قال : فهل قصر بأحد من رؤسائكم ، وعزل أحدا من قوادكم ؟ قالوا : لا ! قال : فما بالكم خذلتموه ، وأعنتم عدوه على أسره ؟ وايم الله ما قتل قوم خليفتهم إلا سلط الله عليهم السيف ، انهضوا إلى خليفتكم فقاتلوا عنه من أراد خلعه . فنهضوا وتبعهم أهل الأرباض ، فقاتلوا
الحسين قتالا شديدا ، فأسر
الحسين بن علي ، ودخل
أسد الحربي على
الأمين ، فكسر قيوده ، وأقعده في مجلس الخلافة .
[ ص: 429 ] ورأى
الأمين أقواما ليس عليهم لباس الجند ، وأمرهم بأخذ السلاح ، فانتهبته الغوغاء ، ونهبوا غيره . وحمل إليه
الحسين أسيرا ، فلامه ، فاعتذر له
الحسين ، فأطلقه ، وأمره بجمع الجند ، ومحاربة أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=15128المأمون ، وخلع عليه ، وولاه ما وراء بابه ، وأمره بالمسير إلى
حلوان ، فوقف
الحسين بباب الجسر والناس يهنئونه ، فلما خف عنه الناس قطع الجسر وهرب ، فنادى
الأمين في الجند يطلبه ، فركبوا كلهم ، فأدركوه
بمسجد كوثر على فرسخ من
بغداذ ، فقاتلهم فعثر به فرسه ، فسقط عنه ، فقتل وأخذوا رأسه .
وقيل : إن
الأمين كان استوزره وسلم إليه خاتمه .
وجدد الجند البيعة
للأمين بعد قتل
الحسين بيوم ، وكان قتله خامس عشر رجب ، فلما قتل
الحسين بن علي هرب
nindex.php?page=showalam&ids=14912الفضل بن الربيع واختفى .