ذكر أمر المتطوعة بالمعروف
وفي هذه السنة تجردت
المتطوعة للأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر .
وكان سبب ذلك أن فساق
بغداذ والشطار آذوا الناس أذى شديدا ، وأظهروا الفسق ، وقطعوا الطريق ، وأخذوا النساء والصبيان علانية ، وكانوا يأخذون ولد الرجل وأهله ، فلا
[ ص: 483 ] يقدر أن يمتنع منهم ، وكانوا يطلبون من الرجل أن يقرضهم أو يصلهم ، فلا يقدر على الامتناع ، وكانوا ينهبون القرى لا سلطان يمنعهم ، ولا يقدر عليهم ، لأنه كان يغريهم ، وهم بطانته ، وكانوا يمسكون المجتازين في الطريق ، ولا يعدي عليهم أحد ، وكان الناس معهم في بلاء عظيم .
وآخر أمرهم أنهم خرجوا إلى
قطربل ، وانتهبوها علانية ، وأخذوا العين والمتاع والدواب ، فباعوها
ببغداذ ظاهرا ، واستعدى أهلها السلطان ، فلم يعدهم ، وكان ذلك آخر شعبان .
فلما رأى الناس ذلك قام صلحاء كل ربض ودرب ، ومشى بعضهم إلى بعض ، وقالوا : إنما في الدرب الفاسق والفاسقان إلى العشرة ، وأنتم أكثر منهم ، فلو اجتمعتم لقمعتم هؤلاء الفساق ، ولعجزوا عن الذي يفعلونه ، فقام رجل يقال له
خالد الدريوش ، فدعا جيرانه وأهل محلته ، على أن يعاونوه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فأجابوه إلى ذلك ، فشد على من يليه من الفساق والشطار فمنعهم ، وامتنعوا عليه ، وأرادوا قتاله فقاتلهم ، فهزمهم وضرب من أخذه من الفساق ، وحبسهم ، ورفعهم إلى السلطان ، إلا أنه كان لا يرى أن يغير على السلطان شيئا .
ثم قام بعده رجل من الحربية يقال له
سهل بن سلامة الأنصاري من أهل خراسان ، ويكنى أبا حاتم ، فدعا الناس إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والعمل بالكتاب والسنة ، وعلق مصحفا في عنقه ، وأمر أهل محلته ونهاهم ، فقبلوا منه ، ودعا الناس جميعا ، الشريف والوضيع ، من
بني هاشم وغيرهم ، فأتاه خلق عظيم فبايعوه على ذلك ، وعلى القتال معه لمن خالفه ، وطاف
ببغداذ وأسواقها .
وكان قيام
سهل لأربع خلون من رمضان ، وقيام
الدريوش قبله بيومين أو ثلاثة .
وبلغ خبر قيامهما إلى
nindex.php?page=showalam&ids=17153منصور بن المهدي وعيسى بن محمد بن أبي خالد ، فكسرهما ذلك ; لأن أكثر أصحابهما كان الشطار ومن لا خير فيه ، ودخل
منصور بغداذ ، وكان
عيسى يكاتب
nindex.php?page=showalam&ids=14115الحسن بن سهل في الأمان ، فأجابه
الحسن إلى الأمان له
ولأهل بغداذ ، وأن يعطي جنده
وأهل بغداذ رزق ستة أشهر إذا أدركت الغلة ، ورحل
عيسى فدخل
بغداذ لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال ، وتفرقت العساكر ، فرضي
أهل بغداذ بما
[ ص: 484 ] صالح عليه ، وبقي
سهل على ما كان عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .