ذكر
ملك فيروز بن يزدجرد بن بهرام بعد أن قتل أخاه هرمز وثلاثة من أهل بيته ولما ظفر
فيروز بأخيه وملك ، أظهر العدل وأحسن السيرة ، وكان يتدين ، إلا أنه كان محدودا مشئوما على رعيته ، وقحطت البلاد في زمانه سبع سنين متوالية ، وغارت الأنهار والقني ، وقل ماء
دجلة ، ومحلت الأشجار ، وهاجت عامة الزروع في السهل والجبل من بلاده ، وماتت الطيور والوحوش ، وعم أهل البلاد الجوع والجهد الشديد ، فكتب إلى
[ ص: 372 ] جميع رعيته يعلمهم أنه لا خراج عليهم ولا جزية ولا مؤونة ، وتقدم إليهم بأن كل من عنده طعام مذخور يواسي به الناس ، وأن يكون حال الغني والفقير واحدا ، وأخبرهم أنه إن بلغه أن إنسانا مات جوعا بمدينة أو قرية عاقبهم ونكل بهم ، وساس الناس سياسة لم يعطب أحد جوعا ما خلا رجلا واحدا من رستاق
أردشير خرة ، وابتهل
فيروز إلى الله بالدعاء ، فأزال ذلك القحط وعادت بلاده إلى ما كانت عليه .
فلما حيي الناس والبلاد وأثخن في أعدائه سار مريدا حرب
الهياطلة ، فلما سمع
إخشنوار ملكهم خافه ، فقال له بعض أصحابه اقطع يدي ورجلي وألقني على الطريق ، وأحسن إلى عيالي لأحتال على
فيروز . ففعل ذلك ، واجتاز به
فيروز فسأله عن حاله فقال له : إني قلت
لإخشنوار لا طاقة لك
بفيروز ففعل بي هذا ، وإني أدلك على طريق لم يسلكها ملك وهي أقرب . فاغتر
فيروز بذلك وتبعه ، فسار به وبجنده حتى قطع بهم مفازة بعد مفازة ، حتى إذا علم أنهم لا يقدرون على الخلاص أعلمهم حاله . فقال أصحاب
فيروز لفيروز : حذرناك فلم تحذر ، فليس إلا التقدم على كل حال ، فتقدموا أمامهم فوصلوا إلى عدوهم وهم هلكى عطشى وقتل العطش منهم كثيرا . فلما أشرفوا على تلك الحال صالحوا
إخشنوار على أن يخلي سبيلهم إلى بلادهم على أن يحلف له
فيروز أنه لا يغزو بلاده ، فاصطلحا ، وكتب
فيروز كتابا بالصلح وعاد .
فلما استقر في مملكته حملته الأنفة على معاودة
إخشنوار ، فنهاه وزراؤه عن نقض العهد ، فلم يقبل وسار نحوه ، فلما تقاربا أمر
إخشنوار فحفر خلف عسكره خندقا عرضه عشرة أذرع وعمقه عشرون ذراعا وغطاه بخشب ضعيف وتراب ، ثم عاد وراءه ، فلما سمع
فيروز بذلك اعتقده هزيمة فتبعه ، ولا يعلم عسكر
فيروز بالخندق ، فسقط هو وأصحابه فيه فهلكوا ، وعاد
إخشنوار إلى عسكر
فيروز ، وأخذ كل ما فيه ، وأسر نساءه وموبذان موبذ ثم استخرج جثة
فيروز وجثة كل من سقط معه فجعلها في النواويس .
وقيل : إن
فيروز لما انتهى إلى الخندق الذي حفره
إخشنوار ولم يكن مغطى عقد عليه قناطر وجعل عليها أعلاما له ولأصحابه يقصدونها في عودهم وجاز إلى القوم . فلما التقى العسكران احتج عليه
إخشنوار بالعهود التي بينهما ، وحذره عاقبة الغدر ، فلم يرجع ، فنهاه أصحابه فلم ينته ، فضعفت نياتهم في القتال . فلما أبى إلا القتال رفع
إخشنوار نسخة العهد على رمح وقال : اللهم خذ ما في هذا الكتاب وقلده بغيه .
[ ص: 373 ] فقاتله فانهزم
فيروز وعسكره فضلوا عن مواضع القناطر فسقطوا في الخندق ، فهلك
فيروز وأكثر عسكره ، وغلب
إخشنوار على عامة
خراسان . فسار إليه رجل من
أهل فارس يقال له
سوخرا ، وكان فيهم عظيما وخرج كالمحتسب .
وقيل : بل كان
فيروز استخلفه على ملكه لما سار ، وكان له
سجستان ، فلقي صاحب
الهياطلة فأخرجه من
خراسان واستعاد منه كل ما أخذ من عسكر
فيروز مما هو في عسكره من السبي وغيره وعاد إلى بلاده ، فعظمته الفرس إلى غاية لم يكن فوقه إلا الملك ، وكانت مملكة
الهياطلة طخارستان ، فكان
فيروز قد أعطى ملكهم لما ساعده على حرب أخيه
الطالقان .
وكان ملك
فيروز ستا وعشرين سنة ، وقيل : إحدى وعشرين سنة .