[ ص: 150 ] 241
ثم دخلت سنة إحدى وأربعين ومائتين
ذكر
وثوب أهل حمص بعاملهم
في هذه السنة وثب أهل
حمص بعاملهم
محمد بن عبدويه ، وأعانهم عليه قوم من
نصارى حمص ، فكتب إلى
المتوكل بذلك ، فكتب إليه يأمره بمناهضتهم ، وأمده بجند من
دمشق والرملة ، ( فظفر بهم ) ، فضرب منهم رجلين من رؤسائهم حتى ماتا وصلبهما على باب
حمص ، وسير ثمانية رجال من أشرافهم إلى
المتوكل ، وظفر بعد ذلك بعشرة رجال من أعيانهم ، فضرب أعناقهم ، وأمره
المتوكل بإخراج
النصارى منها ، وهدم كنائسهم ، وبإدخال
البيعة التي إلى جانب الجامع إلى الجامع ، ففعل ذلك .
ذكر
الفداء بين المسلمين والروم
وفيها كان الفداء بين المسلمين
والروم ، بعد أن قتلت
تدورة ملكة الروم من أسرى المسلمين اثني عشر ألفا ، فإنها عرضت النصرانية على الأسرى ، فمن تنصر جعلته أسوة من قبله من المتنصرة ، ومن أبى قتلته ، وأرسلت تطلب المفاداة لمن بقي منهم ، فأرسل
المتوكل شنيفا الخادم على الفداء ، وطلب قاضي القضاة
nindex.php?page=showalam&ids=15636جعفر بن عبد الواحد أن يحضر الفداء ، ويستخلف على القضاء من يقوم مقامه ، فأذن له فحضره واستخلف على القضاء
ابن أبي الشوارب ، وهو شاب ، ووقع الفداء على
نهر اللامس ، فكان أسرى المسلمين من الرجال سبع مائة وخمسة وثمانين رجلا ، ومن النساء مائة وخمسا وعشرين امرأة .
[ ص: 151 ] وفيها جعل
المتوكل كل كورة شمشاط عشرية ، وكانت خراجية .
ذكر
غارات البجاة بمصر
وفيها أغارت
البجاة على أرض
مصر ، وكانت قبل ذلك لا تغزو بلاد الإسلام لهدنة قديمة ، وقد ذكرناها فيما مضى ، وفي بلادهم معادن يقاسمون المسلمين عليها ، ويؤدون إلى عمال
مصر نحو الخمس .
فلما كانت أيام
المتوكل امتنعت عن أداء ذلك ، فكتب صاحب البريد
بمصر بخبرهم ، وأنهم قتلوا عدة من المسلمين ممن يعمل في المعادن ، فهرب المسلمون منها خوفا على أنفسهم ، فأنكر
المتوكل ذلك ، فشاور في أمرهم ، فذكر له أنهم أهل بادية ، أصحاب إبل وماشية ، وأن الوصول إلى بلادهم صعب لأنها مفاوز ، وبين أرض الإسلام وبينها مسيرة شهر في أرض قفر وجبال وعرة ، وأن كل من يدخلها من الجيوش يحتاج أن يتزود لمدة يتوهم أنه يقيمها إلى أن يخرج إلى بلاد الإسلام ، فإن جاوز تلك المدة هلك ، وأخذتهم
البجاة باليد ، وأن أرضهم لا ترد على سلطان شيئا .
فأمسك
المتوكل عنهم ، فطمعوا وزاد شرهم حتى خاف أهل
الصعيد على أنفسهم منهم ، فولى
المتوكل محمد بن عبد الله القمي محاربتهم ، وولاه معونة تلك الكور ، وهي
قفط ،
والأقصر ،
وأسنا وأرمنت ،
وأسوان ، وأمره بمحاربة البجاة ، وكتب إلى
عنبسة بن إسحاق الضبي عامل حرب
مصر بإزاحة علته ، وإعطائه من الجند ما يحتاج إليه ، ففعل ذلك .
وسار
محمد إلى أرض البجاة وتبعه ممن يعمل في المعادن والمتطوعة عالم كثير ، فبلغت عدتهم نحوا من عشرين ألفا بين فارس وراجل ، ووجه إلى
القلزم ، فحمل في البحر سبعة مراكب موقورة بالدقيق ، والزيت ، والتمر ، والشعير ، والسويق ، وأمر أصحابه أن يوافوه بها في ساحل البحر مما يلي بلاد البجاة ، وسار حتى جاوز المعادن التي يعمل فيها الذهب ، وسار إلى حصونهم وقلاعهم ، وخرج إليه ملكهم ، واسمه
علي بابا ، في جيش كثير أضعاف من مع القمي ، فكانت البجاة على الإبل ، وهي إبل فرة تشبه المهاري ، فتحاربوا أياما ولم يصدقهم
علي بابا القتال لتطول الأيام ، وتفنى أزواد المسلمين وعلوفاتهم ، فيأخذهم بغير حرب ، فأقبلت تلك المراكب التي فيها الأقوات في البحر ،
[ ص: 152 ] ففرق القمي ما كان فيها من أصحابه ( فامتنعوا فيها ) .
فلما رأى
علي بابا ذلك صدقهم القتال ، وجمع لهم ، فالتقوا واقتتلوا قتالا شديدا ، وكانت إبلهم ذعرة تنفر من كل شيء ، فلما رأى القمي ذلك جمع كل جرس في عسكره وجعلها في أعناق خيله ، ثم حملوا على البجاة ، فنفرت إبلهم لأصوات الأجراس ، فحملتهم على الجبال والأودية ، وتبعهم المسلمون قتلا وأسرا ، حتى أدركهم الليل ، وذلك أول سنة إحدى وأربعين ومائتين ، ثم رجع إلى معسكره ولم يقدر على إحصاء القتلى لكثرتهم .
ثم إن ملكهم
علي بابا طلب الأمان فأمنه على أن يرد مملكته وبلاده ، فأدى إليهم الخراج للمدة التي كان منعها ، وهي أربع سنين ، وسار مع
القمي إلى
المتوكل ، واستخلف ( على مملكته ) ابنه
بغش ، فلما وصل إلى
المتوكل خلع عليه وعلى أصحابه ، وكسا جمله رحلا مليحا وجلال ديباج .
وولى
المتوكل البجاة طريق
مصر ، ما بين
مصر ومكة ،
سعدا الخادم الإيتاخي ، فولى
الإيتاخي محمدا القمي ، فرجع إليها ومعه
علي بابا وهو على دينه ، وكان معه صنم من حجارة كهيئة الصبي يسجد له .
ذكر عدة حوادث
وفيها
مطر الناس بسامرا مطرا شديدا في آب .
وقيل فيها : إنه أنهي إلى
المتوكل أن
عيسى بن جعفر بن محمد بن عاصم ، صاحب
خان عاصم ببغداذ ، يشتم
أبا بكر وعمر وعائشة nindex.php?page=showalam&ids=41وحفصة ، فكتب إلى
[ ص: 153 ] محمد بن عبد الله بن طاهر أن يضربه بالسياط ، فإذا مات رمى به في
دجلة ، ( ففعل ذلك وألقي في
دجلة ) .
وفيها وقع الصدام فنفقت الدواب والبقر .
وفيها أغارت
الروم على
عين زربة ، فأخذت من كان بها أسيرا من
الزط مع نسائهم وذراريهم ودوابهم .
( وفيها أكثر
محمد ، صاحب
الأندلس ، من الرجال
بقلعة رباح وتلك النواحي ، ليقفوا على أهل
طليطلة ، وسير الجيوش إلى غزو
الفرنج مع
موسى ، فدخلوا بلادهم ، ووصلوا إلى
ألبة والقلاع ، وافتتحوا بعض حصونها وعادوا ) .
[ الوفيات ]
ومات في هذه السنة
يعقوب بن إبراهيم ، المعروف بقوصرة ، صاحب بريد
مصر والغرب .
[ بقية الحوادث ]
وحج بالناس
عبد الله بن محمد بن داود .
وحج
جعفر بن دينار ، وهو والي الطريق وأحداث الموسم .
وفيها
كثر انقضاض النجوم ، فكانت كثيرة لا تحصى ، فبقيت ليلة من العشاء الآخرة إلى الصبح .
[ ص: 154 ] وفيها كانت
بالري زلزلة شديدة هدمت المساكن ، ومات تحتها خلق كثير لا يحصون ، وبقيت تتردد فيها أربعين يوما .
وفيها خرجت ريح من
بلاد الترك ، فقتلت خلقا كثيرا ، وكان يصيبهم بردها ( فيزكمون ) ، فبلغت
سرخس ،
ونيسابور ،
وهمذان ،
والري ، فانتهت إلى
حلوان .
[ الوفيات ]
وفيها توفي
الإمام أحمد بن حنبل الشيباني الفقيه المحدث في شهر ربيع الأول .