[ ص: 259 ] ذكر
ظهور قبيحة أم المعتز
قد ذكرنا استتارها عند قتل ابنها ; وكان السبب في هربها وظهورها أنها كانت قد واطأت النفر من الكتاب الذين أوقع بهم
صالح على الفتك
بصالح ، فلما أوقع بهم ، وعذبهم ، علمت أنهم لا يكتمون عنه شيئا ، فأيقنت بالهلاك ، فعملت في الخلاص ، وأخرجت ما في الخزائن إلى خارج الجوسق من الأموال ، والجواهر ، وغيرها ، فأودعته ، واحتالت ، فحفرت سربا في حجرة لها إلى موضع يفوت التفتيش ، فلما خرجت الحادثة على
المعتز بادرت فخرجت في ذلك السرب ، فلما فرغوا من
المعتز طلبوها فلم يجدوها ، ورأوا السرب ، فخرجوا منه ، فلم يقفوا على خبرها ، وبحثوا عنها فلم يظفروا بها .
ثم إنها فكرت أن ابنها قتل ، وأن الذي تختفي عنده يطمع في مالها وفي نفسها ، ويتقرب بها إلى
صالح ، ( فأرسلت امرأة عطارة إلى
صالح ) بن وصيف ، فتوسطت الحال بينهما ، وظهرت في رمضان ، وكانت لها أموال
ببغداذ ، فأحضرتها ، وهي مقدار خمسمائة ألف دينار ، وظفروا لها بخزائن تحت الأرض فيها أموال كثيرة ، ومن جملتها دار تحت الأرض ، وجدوا فيها ألف ألف دينار وثلاثمائة ألف دينار ، ووجدوا في سفط قدر مكوك زمردا لم ير الناس مثله ، وفي سفط آخر مقدار مكوك من اللؤلؤ الكبار ; وفي سفط مقدار كيلجة من الياقوت الأحمر الذي لم يوجد مثله ، فحمل الجميع إلى
صالح ، فسبها ، وقال : عرضت ابنها للقتل في خمسين ألف دينار ، وعندها هذه الأموال كلها !
ثم سارت
قبيحة إلى
مكة ، فسمعت وهي تدعو بصوت عال على
صالح بن وصيف ، وتقول : اللهم أخز
صالحا كما هتك ستري ، وقتل ولدي ، وشتت شملي ، وأخذ مالي ، وغربني عن بلدي ، وركب الفاحشة مني ، وأقامت
بمكة .
وكان
المتوكل سماها
قبيحة لحسنها وجمالها ، كما يسمى الأسود كافورا .
قال : وكانت
أم المهتدي قد ماتت قبل استخلافه ، وكانت تحت
المستعين ، فلما قتل جعلها
المعتز في
قصر الرصافة ، فماتت ، فلما ولي
المهتدي قال : أما أنا فليس لي أم أحتاج لها غلة عشرة آلاف دينار في كل سنة لجواريها ، وخدمها ، والمتصلين بها ، وما أريد إلا
[ ص: 260 ] القوت لنفسي وولدي ، وما أريد فضلا إلا لإخوتي ، فإن الضائقة قد مستهم .