ذكر
الوقعة بين المعتضد والأعراب
وفي هذه السنة أوقع
nindex.php?page=showalam&ids=15272أبو العباس أحمد بن الموفق - وهو المعتضد بالله - بقوم من الأعراب كانوا يحملون الميرة إلى عسكر
الخبيث ، فقتل منهم جماعة وأسر الباقين ، وغنم ما كان معهم ، وأرسل إلى
البصرة من أقام بها لأجل قطع الميرة .
وسير
الموفق رشيقا مولى أبي العباس ، فأوقع بقوم من
بني تميم كانوا يجلبون الميرة إلى
الخبيث ، فقتل أكثرهم ، وأسر جماعة منهم ، فحمل الأسرى ، والرءوس إلى
الموفقية ، فأمر بهم
الموفق ، فوقفوا بإزاء عسكر
الزنج ، وكان فيهم رجل يسفر بين صاحب
الزنج والأعراب بجلب الميرة ، فقطعت يده ورجله ، وألقي في عسكر
الخبيث ، وأمر بضرب أعناق الأسارى ، وانقطعت الميرة بذلك عن
الخبيث بالكلية ، فأضر بهم الحصار ، وأضعف أبدانهم ، فكان يسأل الأسير ، والمستأمن عن عهده بالخبز فيقول : عهدي به منذ زمان طويل .
فلما وصلوا إلى هذا الحال رأى
الموفق أن يتابع عليهم الحرب ليزيدهم ضرا وجهدا ، فكثر المستأمنون في هذا الوقت ، وخرج كثير من أصحاب
الخبيث ، فتفرقوا في القرى والأنهار البعيدة في طلب القوت ، فبلغ ذلك
الموفق ، فأمر جماعة من قواد غلمانه السودان بقصد تلك الموضع ودعوة من بها إليه ، فمن أبى قتلوه ، فقتلوا منهم خلقا
[ ص: 395 ] كثيرا ، وأتاه أكثر منهم .
فلما كثر المستأمنون عند
الموفق عرضهم ، فمن كان ذا قوة وجلد أحسن إليه وخلطه بغلمانه ، ومن كان منهم ضعيفا ، أو شيخا ، أو جريحا قد أزمنته الجراحة كساه ، وأعطاه دراهم ، وأمر به أن يحمل إلى عسكر
الخبيث ( فيلقى هناك ) ، ويؤمر بذكر ما رأى من إحسان
الموفق إلى من صار إليه ، وأن ذلك رأيه فيهم . فتهيأ له بذلك ما أراد من استمالة أصحاب
الخبيث .
وجعل
الموفق وابنه
أبو العباس يلازمان قتال
الخبيث تارة هذا وتارة هذا ، وجرح
أبو العباس ثم برأ .
وكان من جملة من قتل من ( أعيان قواد )
الخبيث بهبود بن عبد الوهاب ، وكان كثير الخروج في السميريات ، وكان ينصب عليها أعلاما تشبه أعلام
الموفق ، فإذا رأى من يستضعفه أخذه ، وأخذ من ذلك مالا جزيلا ، فواقعه في بعض خرجاته
أبو العباس ، فأفلت بعد أن أشفى على الهلاك ، ثم إنه خرج مرة أخرى فرأى سميرية فيها بعض أصحاب
أبي العباس ، فقصدها طامعا في أخذها ، فحاربه أهلها ، فطعنه غلام من غلمان
أبي العباس في بطنه فسقط في الماء ، فأخذه أصحابه ، فحملوه إلى عسكر
الخبيث ، فمات قبل وصوله ، ( فأراح الله المسلمين من شره ) .
وكان قتله من أعظم الفتوح ، وعظمت الفجيعة على
الخبيث وأصحابه ، واشتد جزعهم عليه ، وبلغ الخبر
الموفق بقتله ، فأحضر ذلك الغلام ، فوصله ، وكساه ، وطوقه ، وزاد في أرزاقه ، وفعل بكل من كان معه في تلك السميرية نحو ذلك .
ثم ظفر
الموفق بالذوائبي ، وكان ممايلا لصاحب
الزنج .