ذكر
وفاة الموفق
وفيها توفي
nindex.php?page=showalam&ids=15360أبو أحمد الموفق بالله بن المتوكل ، وكان قد مرض في
بلاد الجبل ، فانصرف وقد اشتد به وجع النقرس ، فلم يقدر على الركوب ، فعمل له سرير عليه قبة ، فكان يقعد عليه [ هو ] وخادم له يبرد رجله بالأشياء الباردة ، حتى إنه يضع عليها الثلج ، ثم صارت علة برجله ، داء الفيل ، وهو ورم عظيم يكون في الساق ، يسيل منه ماء .
وكان يحمل سريره أربعون رجلا بالنوبة ، فقال لهم يوما : قد ضجرتم من حملي ، بودي أن أكون كواحد منكم أحمل على رأسي ، وآكل ، وأنا في عافية .
وقال في مرضه : أطبق ديواني ( على ) مائة ألف مرتزق ، ما أصبح فيهم أسوأ
[ ص: 459 ] حالا مني ، فوصل إلى داره لليلتين خلتا من صفر .
وشاع موته بعد انصراف
أبي الصقر من داره ، وكان تقدم بحفظ
أبي العباس ، فأغلقت عليه أبواب دون أبواب ، وقوي الإرجاف بموته ، وكان قد اعترته غشية ، فوجه
أبو الصقر إلى
المدائن ، فحمل منها
المعتمد وأولاده ، فجيء بهم إلى داره ، ولم يسر
أبو الصقر إلى دار
الموفق .
فلما رأى غلمان
الموفق المائلون إلى
أبي العباس والرؤساء من غلمان
أبي العباس ما نزل
بالموفق ، كسروا الأقفال ، والأبواب المغلقة على
أبي العباس ، فلما سمع
أبو العباس ذلك ظن أنهم يريدون قتله ، وأخذ سيفه بيده ، وقال لغلام عنده : والله لا يصلون إلي وفي شيء من الروح ! فلما وصلوا إليه رأى في أولهم غلامه وصيفا موشكير ، فلما رآه ألقى السيف من يده ، وعلم أنهم ما يريدون إلا الخير ، فأخرجوه ، وأقعدوه عند أبيه ، فلما فتح عينه رآه ، فقربه وأدناه إليه .
وجمع
أبو الصقر عند القواد والجند ، وقطع الجسرين ، وحاربه قوم من الجانب الشرقي ، فقتل بينهم قتلى ، فلما بلغ الناس أن
الموفق حي حضر عنده
محمد بن أبي الساج ، وفارق
أبا الصقر ، وتسلل القواد ، والناس عن
أبي الصقر ، فلما رأى
أبو الصقر ذلك حضر هو وابنه دار
الموفق ، فلما قال له
الموفق شيئا مما جرى ، فأقام في دار
الموفق ، فلما رأى
المعتمد أنه بقي في الدار نزل هو وبنوه
وبكتمر ، فركبوا زورقا ، فلقيهم طيار
لأبي ليلى بن عبد العزيز بن أبي دلف ، فحمله فيه إلى دار
علي بن جهشيار .
وذكر أعداء
أبي الصقر أنه أراد أن يتقرب إلى
المعتمد بمال
الموفق ، وأسبابه ، وأشاعوا ذلك عنه عند أصحاب
الموفق ، فنهبت دار
أبي الصقر ، حتى أخرجت نساؤه منها حفاة بغير أزر ، ونهب ما يجاورها من الدور ، وكسرت أبواب السجن ، وخرج من كان فيها .
وخلع
الموفق على ابنه
أبي العباس ، وعلى
أبي الصقر ، وركبا جميعا ، فمضى
أبو العباس إلى منزله ،
وأبو الصقر إلى منزله وقد نهب ، فطلب حصيرة يقعد عليها عارية ،
[ ص: 460 ] فولى
أبو العباس غلامه بدرا الشرطة ، واستخلف
محمد بن غانم بن الشاه على الجانب الشرقي .
ومات
الموفق يوم الأربعاء لثمان بقين من صفر من هذه السنة ، ودفن ليلة الخميس بالرصافة ، وجلس
أبو العباس للتعزية .
وكان
الموفق عادلا ، حسن السيرة ، يجلس للمظالم ، وعنده القضاة ، وغيرهم ، فينتصف الناس بعضهم من بعض ، وكان عالما بالأدب ، والنسب ، والفقه ، وسياسة الملك ، وغير ذلك ، قال يوما : إن جدي
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن العباس قال : إن الذباب ليقع على جليسي فيؤذيني ذلك ، وهذا نهاية الكرم ، وأنا والله أرى جلسائي بالعين التي أرى بها إخواني ، والله لو تهيأ لي أن أغير أسماءهم لنقلتها من الجلساء إلى الأصدقاء والإخوان .
وقال
يحيى بن علي : دعا
الموفق يوما جلساءه ، فسبقتهم وحدي ، فلما رآني وحدي أنشد يقول :
وأستصحب الأصحاب حتى إذا دنوا وملوا من الإدلاج جئتكم وحدي
فدعوت له ، واستحسنت إنشاده في موضعه ، وله محاسن كثيرة ليس هذا موضع ذكرها .