يوم عين أباغ
وهو بين
المنذر بن ماء السماء وبين
الحارث الأعرج بن أبي شمر جبلة ، وقيل :
أبو شمر عمرو بن جبلة بن الحارث بن حجر بن النعمان بن الحارث الأيهم بن الحارث بن مارية الغساني ، وقيل في نسبه غير ذلك ، وقيل : هو أزدي
تغلب على
غسان ، والأول أكثر وأصح ، وهو الذي طلب أدراع
امرئ القيس من
السموأل بن عادياء وقتل ابنه ، وقيل غيره ، والله أعلم .
وسبب ذلك أن
المنذر بن ماء السماء ملك العرب سار من
الحيرة في
معد كلها حتى نزل
بعين أباغ بذات الخيار ، وأرسل إلى
الحارث الأعرج بن جبلة بن الحارث بن ثعلبة بن جفنة بن عمرو مزيقياء بن عامر الغساني ملك العرب
بالشام : إما أن تعطيني الفدية فأنصرف عنك بجنودي ، وإما أن تأذن بحرب .
فأرسل إليه
الحارث : أنظرنا ننظر في أمرنا . فجمع عساكره وسار نحو
المنذر وأرسل إليه يقول له : إنا شيخان فلا نهلك جنودي وجنودك ، ولكن يخرج رجل من ولدي ويخرج من ولدك ، فمن قتل خرج عوضه آخر ، وإذا فني أولادنا خرجت أنا إليك فمن قتل صاحبه ذهب بالملك . فتعاهدا على ذلك ، فعمد
المنذر إلى رجل من شجعان أصحابه فأمره أن يخرج فيقف بين الصفين ويظهر أنه
ابن المنذر ، فلما خرج أخرج إليه الحارث ابنه
أبا كرب ، فلما رآه رجع إلى أبيه وقال : إن هذا ليس
بابن المنذر إنما هو عبده أو بعض شجعان أصحابه ، فقال : يا بني أجزعت من الموت ؟ ما كان الشيخ ليغدر . فعاد إليه وقاتله فقتله الفارس وألقى رأسه بين يدي
المنذر ، وعاد فأمر
الحارث ابنا له آخر بقتاله والطلب بثأر أخيه ، فخرج إليه ، فلما واقفه رجع إلى أبيه وقال : يا أبت هذا والله عبد المنذر . فقال : يا بني ما كان الشيخ ليغدر . فعاد إليه فشد عليه فقتله .
فلما رأى ذلك
شمر بن عمرو الحنفي ، وكانت أمه غسانية ، وهو مع
المنذر ، قال : أيها الملك إن الغدر ليس من شيم الملوك ولا الكرام ، وقد غدرت بابن عمك دفعتين ،
[ ص: 488 ] فغضب
المنذر وأمر بإخراجه ، فلحق بعسكر
الحارث فأخبره ، فقال له : سل حاجتك . فقال له : حلتك وخلتك . فلما كان الغد عبى
الحارث أصحابه وحرضهم ، وكان في أربعين ألفا ، واصطفوا للقتال ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، فقتل
المنذر وهزمت جيوشه ، فأمر
الحارث بابنيه القتيلين فحملا على بعير بمنزلة العدلين ، وجعل
المنذر فوقهما فودا وقال : " يا لعلاوة دون العدلين " ! فذهبت مثلا ، وسار إلى
الحيرة فأنهبها وأحرقها ودفن ابنيه بها وبنى الغريين عليهما في قول بعضهم . وفي ذلك اليوم يقول
ابن أبي الرعلاء الضبياني :
كما تركنا بالعين عين أباغ من ملوك وسوقة أكفاء أمطرتهم سحائب الموت تترى
إن في الموت راحة الأشقياء ليس من مات فاستراح بميت
إنما الميت ميت الأحياء