ذكر
قتل أبي عبد الله الشيعي ( وأخيه أبي العباس ) في سنة ثمان وتسعين ومائتين قتل
أبو عبد الله الشيعي ، قتله
nindex.php?page=showalam&ids=15347المهدي عبيد الله .
وسبب ذلك أن
المهدي لما استقامت له البلاد ، ودانت له العباد ، وباشر الأمور بنفسه ، وكف يد
أبي عبد الله ، ويد أخيه
أبي العباس ، داخل
أبا العباس الحسد ، وعظم عليه الفطام عن الأمر والنهي ، والأخذ والعطاء ، فأقبل يزري على
المهدي في مجلس أخيه ، ويتكلم فيه ، وأخوه ينهاه ، ولا يرضى فعله ، فلا يزيده ذلك إلا لجاجا .
ثم إنه أظهر
أبا عبد الله على ما في نفسه ، وقال له : ملكت أمرا ، فجئت بمن أزالك عنه ، وكان الواجب عليه أن لا يسقط حقك .
[ ص: 600 ] ولم يزل حتى أثر في قلب أخيه ، فقال يوما
للمهدي : لو كنت تجلس في قصرك ، وتتركني مع
كتامة آمرهم وأنهاهم ، لأني عارف بعاداتهم ، لكان أهيب لك في أعين الناس .
وكان
المهدي سمع شيئا مما يجري بين أبي عبد الله وأخيه ، فتحقق ذلك ، غير أنه رد ردا لطيفا ، فصار أبو العباس يشير إلى المقدمين بشيء من ذلك ، فمن رأى منه قبولا كشف له ما في نفسه ، وقال : ما جازاكم على ما فعلتم ، وذكر لهم الأموال التي أخذها
المهدي من إنكجان ، وقال : هلا قسمها فيكم !
وكل ذلك يتصل
بالمهدي ، وهو يتغافل ،
وأبو عبد الله يداري ، ثم صار
أبو العباس يقول : إن هذا ليس الذي كنا نعتقد طاعته ، وندعو إليه لأن
المهدي يختم بالحجة ، ويأتي بالآيات الباهرة ، فأخذ قوله بقلوب كثير من الناس ، منهم إنسان من
كتامة يقال له شيخ المشايخ ، فواجه
المهدي بذلك ، وقال : إن كنت
المهدي فأظهر لنا آية ، فقد شككنا فيك ، فقتله
المهدي ، فخافه أبو عبد الله ، وعلم أن
المهدي قد تغير عليه ، فاتفق هو وأخوه ومن معهما على الاجتماع عند
أبي زاكي ، وعزموا على قتل
المهدي واجتمع معهم قبائل
كتامة إلا قليلا منهم .
وكان معهم رجل يظهر أنه منهم ، وينقل ما يجري إلى
المهدي ، ودخلوا عليه مرارا فلم يجسروا على قتله ، فاتفق أنهم اجتمعوا ليلة عند
أبي زاكي ، فلما أصبحوا لبس
أبو عبد الله ثوبه مقلوبا ، ودخل على
المهدي ، فرأى ثوبه ، فلم يعرفه به ، ثم دخل عليه ثلاثة أيام والقميص بحاله ، فقال له
المهدي : ما هذا الأمر الذي أذهلك عن إصلاح ثوبك ؟ فهو مقلوب منذ ثلاثة أيام فعلمت أنك ما نزعته ، فقال : ما علمت بذلك إلا ساعتي هذه ، قال : أين كنت البارحة والليالي قبلها ؟ فسكت
أبو عبد الله [ ص: 601 ] فقال : أليس بت في دار
أبي زاكي ؟ قال : بلى . قال : وما الذي أخرجك من دارك ؟ قال : خفت . قال : وهل يخاف الإنسان إلا من عدوه ؟ فعلم أن أمره ظهر
للمهدي ، فخرج وأخبر أصحابه ، وخافوا ، وتخلفوا عن الحضور .
فذكر ذلك
للمهدي ، وعنده رجل يقال له
ابن القديم ، كان من جملة القوم ، وعنده أموال كثيرة ، من أموال
زيادة الله ، فقال : يا مولاي إن شئت أتيتك بهم ، ومضى فجاء بهم ، فعلم
المهدي صحة ما قيل عنه ، فلاطفهم وفرقهم في البلاد ، وجعل
أبا زاكي واليا على
طرابلس ، وكتب إلى عاملها أن يقتله عند وصوله ، فلما وصلها قتله عاملها ، وأرسل رأسه إلى
المهدي ، فهرب
ابن القديم ، فأخذ ، فأمر
المهدي بقتله فقتل .
وأمر
المهدي عروبة ورجالا معه أن يرصدوا أبا عبد الله وأخاه العباس ، ويقتلوهما ، فلما وصلا إلى قرب القصر حمل
عروبة على
أبي عبد الله ، فقال : لا تفعل يا بني ! فقال : الذي أمرتنا بطاعته أمرنا بقتلك ، فقتل هو وأخوه ، وكان قتلهما في اليوم الذي قتل فيه
أبو زاكي ، فقيل : إن
المهدي صلى على
أبي عبد الله ، وقال : رحمك الله ،
أبا عبد الله ، وجزاك خيرا بجميل سعيك .
وثارت فتنة بسبب قتلهما ، وجرد أصحابهما السيوف ، فركب
المهدي وأمن الناس ، فسكنوا ، ثم تتبعهم حتى قتلهم .
وثارت فتنة ثانية بين
كتامة وأهل
القيروان ، قتل فيها خلق كثير ، فخرج
المهدي وسكن الفتنة ، وكف الدعاة عن طلب التشيع من العامة .
ولما استقامت الدولة
للمهدي عهد إلى ولده
أبي القاسم نزار بالخلافة ، ورجعت
[ ص: 602 ] كتامة إلى بلادهم ، فأقاموا طفلا وقالوا : هذا هو
المهدي ، ثم زعموا أنه نبي يوحى إليه ، وزعموا أن
أبا عبد الله لم يمت ، وزحفوا إلى مدينة
ميلة ، فبلغ ذلك
المهدي فأخرج ابنه
أبا القاسم ، فحصرهم فقاتلوه فهزمهم واتبعهم حتى أجلاهم إلى البحر ، وقتل منهم خلقا عظيما ، وقتل الطفل الذي أقاموه .
وخالف عليه أهل
صقلية مع
ابن وهب ، فأنفذ إليهم أسطولا ، ففتحها وأتى
بابن وهب فقتله .
وخالف عليه أهل
تاهرت ، فغزاها ففتحها ، وقتل أهل الخلاف ، وقتل جماعة من
بني الأغلب برقادة كانوا قد رجعوا إليها بعد وفاة
زيادة الله .