[ ص: 682 ]
311
ثم دخلت سنة إحدى عشرة وثلاثمائة
ذكر
عزل حامد وولاية ابن الفرات في هذه السنة في ربيع الآخر ، عزل
المقتدر nindex.php?page=showalam&ids=15676حامد بن العباس عن الوزارة ،
وعلي بن عيسى عن الدواوين ، وخلع على
أبي الحسين بن الفرات ، وأعيد إلى الوزارة .
وكان سبب ذلك أن
المقتدر ضجر من استغاثة الأولاد ، والحرم ، والخدم والحاشية من تأخير أرزاقهم ، فإن
علي بن عيسى كان يؤخرها فإذا اجتمع عدة شهور أعطاهم البعض ، وأسقط البعض ، وحط من أرزاق العمال في كل سنة شهرين ، وغيرهم ممن له رزق ، فزادت عداوة الناس له .
وكان
nindex.php?page=showalam&ids=15676حامد بن العباس قد ضجر من المقام
ببغداذ وليس إليه من الأمر شيء غير لبس السواد ، وأنف من اطراح
علي بن عيسى بجانبه ، فإنه كان يهينه في توقيعاته بالإطلاق عليه لضمانه بعض الأعمال ، وكان يكتب : ليطلق
جهبذ الوزير أعزه الله ، وليبادر نائب الوزير .
[ ص: 683 ] وكان إذا شكا إليه بعض نواب
حامد يكتب على القصة : إنما عقد الضمان على النائب الوزيري ، عن الحقوق الواجبة السلطانية ، فليتقدم إلى عماله بكف الظلم عن الرعية ، فاستأذن
حامد ، وسار إلى
واسط لينظر في ضمانه ، فأذن له ، وجرى بين
مفلح الأسود وبين
حامد كلام ، قال له
حامد : لقد هممت أن أشتري مائة خادم أسود ، وأسميهم مفلحا ، وأهبهم لغلماني ، فحقده
مفلح ، وكان خصيصا
بالمقتدر ، فسعى معه
المحسن بن الفرات لوالده بالوزارة ، وضمن أموالا جليلة وكتب على يده رقعة يقول : إن يسلم الوزير ،
وعلي بن عيسى ،
وابن الحواري ،
وشفيع اللؤلؤي ،
ونصر الحاجب ،
وأم موسى القهرمانة ،
والمادرانيون يستخرج منهم سبعة آلاف ألف دينار .
وكان
المحسن مطلقا ، وكان يواصل السعاية بهؤلاء الجماعة ، وذكر
ابن الفرات للمقتدر ما كان يأخذه
ابن الحواري كل سنة من المال ، فاستكثره فقبض على
علي بن عيسى في ربيع الآخر ، وسلم إلى
زيدان القهرمانة ، فحبسته في الحجرة التي كان
ابن الفرات محبوسا فيها ، وأطلق
ابن الفرات ، وخلع عليه ، وتولى الوزارة ، وخلع على ابنه
المحسن ، وهذه الوزارة الثالثة
لابن الفرات .
وكان
أبو علي بن مقلة قد سعى
بابن الفرات ، وكان يتقلد بعض الأعمال أيام
حامد ، فحضر عند
ابن الفرات ، وكان
ابن الفرات هو الذي قدم
ابن مقلة ورباه ، وأحسن إليه ، ولما قيل عنه إنه سعى به لم يصدق ذلك ، حتى تكرر ذلك منه . ثم إن
حامدا صعد من
واسط ، فسير إليه
ابن الفرات من يقبض عليه ( في الطريق ) وعلى أصحابه ، فقبض على بعض أصحابه ، وسمع
حامد فهرب واختفى
ببغداذ ، ثم إن
حامدا لبس زي راهب ، وخرج من مكانه الذي اختفى فيه ، ومشى إلى
نصر الحاجب ، فاستأذن عليه ، فأذن له ، فدخل عليه ، وسأله إيصال حاله إلى الخليفة ، فاستدعى
نصر مفلحا الخادم ، ( وقال : هذا يستأذن إلى الخليفة ، إذا كان عند حرمه ) .
( فلما حضر
مفلح ) فرأى
حامدا قال : أهلا بمولانا الوزير ، أين مماليكك
[ ص: 684 ] السودان الذين سميت كل واحد منهم
مفلحا ؟ فسأله
نصر أن لا يؤاخذه ، وقال له :
حامد يسأل أن يكون محبسه في دار الخليفة ، ولا يسلم إلى
ابن الفرات .
فدخل
مفلح ، وقال ضد ما قيل له ، فأمر
المقتدر بتسليمه إلى
ابن الفرات فأرسل إليه فحبسه في دار حسنة ، وأجرى عليه من الطعام ، والكسوة ، والطيب ، وغير ذلك ما كان له وهو وزير ، ثم أحضره وأحضر الفقهاء والعمال ، وناظره على ما وصل إليه من المال ، وطالبه به ، فأقر بجهات تقارب ألف ألف دينار وضمنه
المحسن بن أبي الحسن بن الفرات من
المقتدر ( بخمسمائة ألف دينار ) ، فسلمه إليه ، فعذبه بأنواع العذاب ، وأنفذه إلى
واسط مع بعض أصحابه ليبيع ما له
بواسط ، وأمرهم بأن يسقوه سما ، فسقوه سما في بيض مشوي ، وكان طلبه ، فأصابه إسهال ، فلما وصل إلى
واسط أفرط الإغيام به ، وكان قد تسلمه
محمد بن علي البزوفري ، فلما رأى حاله أحضر القاضي والشهود ليشهدوا عليه أن ليس له في أمره صنع فلما حضروا عند
حامد قال لهم : إن أصحاب
المحسن سقوني سما في بيض مشوي فأنا أموت منه ، وليس
لمحمد في أمري صنع ، لكنه قد أخذ قطعة من أموالي وأمتعتي ، وجعل يحشوها في المساور ، وتباع المسورة في السوق بمحضر من أمين السلطان بخمسة دراهم ، ووضع عليها من يشتريها ، ويحملها إليه ، فيكون فيها أمتعة تساوي ثلاثة آلاف دينار ، فاشهدوا على ذلك .
وكان صاحب الخبر حاضرا ، ( فكتب ذلك ، وسيره ) ، وندم
البزوفري على ما فعل ، ثم مات
حامد في رمضان من هذه السنة ، ثم صودر
علي بن عيسى بثلاثمائة ألف دينار ، فأخذه
المحسن بن الفرات ليستوفي منه المال ، فعذبه وصفعه فلم يؤد إليه شيئا .
[ ص: 685 ] وبلغ الخبر الوزير
أبا الحسن بن الفرات ، فأنكر على ابنه ذلك ، لأن
عليا كان محسنا إليهم أيام ولايته ، وكان قد أعطى
المحسن ، وقت نكبته ، عشرة آلاف درهم ، وأدى
علي بن عيسى مال المصادرة ، وسيره
ابن الفرات إلى
مكة وكتب إلى أمير
مكة ليسيره إلى
صنعاء ، ثم قبض
ابن الفرات على
nindex.php?page=showalam&ids=13549أبي علي بن مقلة ، ثم أطلقه ، وقبض على
ابن الحواري ، وكان خصيصا
بالمقتدر ، وسلمه إلى ابنه
المحسن ، فعذبه عذابا شديدا ، وكان
المحسن وقحا ، سيئ الأدب ، ظالما ، ذا قسوة شديدة ، وكان الناس يسمونه
الخبيث ابن الطيب ، وسير
ابن الحواري إلى
الأهواز ليستخرج منه الأموال التي له ، فضربه الموكل به حتى مات ، وقبض أيضا على
الحسين بن أحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=17002ومحمد بن علي المادرانيين ، وكان
الحسين قد تولى
مصر والشام ، فصادرهما على ألف ألف دينار وسبعمائة ألف دينار ، ثم صادر جماعة من الكتاب ونكبهم .
ثم إن
ابن الفرات خوف
المقتدر من
nindex.php?page=showalam&ids=16864مؤنس الخادم ، وأشار عليه بأن يسيره عن الحضرة إلى
الشام ليكون هنالك ، فسمع قوله ، وأمره بالمسير ، وكان قد عاد من الغزاة ، فسأل أن يقيم عدة أيام بقيت من شهر رمضان فأجيب إلى ذلك ، وخرج في يوم شديد المطر .
وسبب ذلك أن
مؤنسا لما قدم ذكر
للمقتدر ما اعتمده
ابن الفرات من مصادرات الناس ، وما يفعله ابنه من تعذيبهم وضربهم ، إلى غير ذلك من أعمالهم ، فخافه
ابن الفرات فأبعده عن
المقتدر ، ثم سعى
ابن الفرات بنصر الحاجب ، وأطمع
المقتدر في ماله وكثرته ، فالتجأ
نصر إلى أم المقتدر ، فمنعته من
ابن الفرات .