ذكر
قتل زهير بن جذيمة وخالد بن جعفر بن كلاب والحارث بن ظالم المري وذكر يوم الرحرحان [ ص: 500 ] كان
زهير بن جذيمة بن رواحة بن ربيعة بن مازن بن الحارث بن قطيعة بن عبس العبسي ، وهو والد
قيس بن زهير صاحب حرب داحس والغبراء ، سيد
قيس عيلان ، فتزوج إليه ملك
الحيرة ، وهو
النعمان بن امرئ القيس جد النعمان بن المنذر لشرفه وسؤدده ، فأرسل
النعمان إلى
زهير يستزيره بعض أولاده ، فأرسل ابنه
شأسا فكان أصغر ولده ، فأكرمه وحباه ، فلما انصرف إلى أبيه كساه حللا وأعطاه مالا طيبا . فخرج
شأس يريد قومه فبلغ ماء من مياه
غني بن أعصر فقتله
رباح بن الأشل الغنوي ، وأخذ ما كان معه وهو يعرفه .
وقيل
لزهير : إن
شأسا أقبل من عند الملك وكان آخر العهد به بماء من مياه غني . فسار
زهير إلى ديار
غني ، وهم حلفاء في
بني عامر ابن صعصعة ، فاجتمعوا عنده ، فسألهم عن ابنه ، فحلفوا أنهم لم يعلموا خبره ، قال : لكني أعلمه ، فقال له
أبو عامر : فما الذي يرضيك منا ؟ قال : واحدة من ثلاث : إما تحيون ولدي ، وإما تسلمون إلي
غنيا حتى أقتلهم بولدي ، وإما الحرب بيننا وبينكم ما بقينا وبقيتم . فقالوا : ما جعلت لنا في هذه مخرجا ، أما إحياء ولدك فلا يقدر عليه إلا الله ، وأما تسليم
غني إليك فهم يمتنعون مما يمتنع منه الأحرار ، وأما الحرب بيننا فوالله إننا لنحب رضاك ونكره سخطك ، ولكن إن شئت الدية ، وإن شئت تطلب قاتل ابنك فنسلمه إليك ، أو تهب دمه فإنه لا يضيع في القرابة والجوار . فقال : لا أفعل إلا ما ذكرت . فلما رأى
خالد بن جعفر بن كلاب تعدي
زهير على أخواله من
غني قال : والله ما رأينا كاليوم تعدي رجل على قومه فقال له
زهير : فهل لك أن تكون طلبتي عندك وأترك
غنيا ؟ قال : نعم ، فانصرف
زهير وهو يقول :
فلولا كلاب قد أخذت قرينتي برد غني أعبدا ومواليا
[ ص: 501 ] ولكن حمتهم عصبة عامرية
يهزون في الأرض القصار العواليا مساعير في الهيجا مصاليت في الوغى
أخوهم عزيز لا يخاف الأعاديا يقيمون في دار الحفاظ تكرما
إذا ما فني القوم أضحت خواليا
ثم إنه أرسل امرأة وأمرها أن تكتم نسبها وأعطاها لحم جزور سمينة وسيرها إلى
غني لتبيع اللحم بطيب وتسأل عن حال ولده . فانطلقت المرأة إلى
غني وفعلت ما أمرها ، فانتهت إلى امرأة
رباح بن الأشل وقالت لها : قد زوجت بنتا لي وأبغي الطيب بهذا اللحم ، فأعطتها طيبا وحدثتها بقتل زوجها
شأسا . فعادت المرأة إلى
زهير وأخبرته ، فجمع خيله وجعل يغير على
غني حتى قتل منهم مقتلة عظيمة ، ووقعت الحرب بين
بني عبس وبني عامر وعظم الشر .
ثم إن
زهيرا خرج في أهل بيته في الشهر الحرام إلى
عكاظ ، فالتقى هو
وخالد بن جعفر بن كلاب ، فقال له
خالد : لقد طال شرنا منك يا
زهير ! فقال
زهير : أما والله ما دامت لي قوة أدرك بها ثأرا فلا انصرام له .
وكانت
هوازن تؤتي
زهير بن جذيمة الإتاوة كل سنة
بعكاظ ، وهو يسومها الخسف ، وفي أنفسها منه غيظ وحقد ، ثم عاد
خالد وزهير إلى قومهما ، فسبق
خالد إلى بلاد
هوازن فجمع إليه قومه وندبهم إلى قتال
زهير ، فأجابوه وتأهبوا للحرب وخرجوا يريدون
زهيرا وهم على طريقه ، وسار
زهير حتى نزل على أطراف بلاد
هوازن ، فقال له ابنه قيس : انج بنا من هذه الأرض فإنا قريب من عدونا . فقال له : يا عاجز وما الذي تخوفني به من
هوازن وتتقي شرها ؟ فأنا أعلم الناس بها . فقال ابنه : دع عنك اللجاج وأطعني وسر بنا ، فإني خائف عاديتهم .
وكانت
تماضر بنت الشريد بن رياح بن يقظة بن عصية السلمية أم ولد زهير ، وقد أصاب بعض إخوتها دما فلحق
ببني عامر ، وكان فيهم ، فأرسله
خالد عينا ليأتيه بخبر
زهير ، فخرج حتى أتاهم في منزلهم ، فعلم
قيس بن زهير حاله ، وأراد هو وأبوه أن يوثقوه ويأخذوه معهم إلى أن يخرجوا من أرض
هوازن ، فمنعت أخته ، فأخذوا عليه العهود
[ ص: 502 ] ألا يخبر بهم وأطلقوه ، فسار إلى
خالد ووقف إلى شجرة يخبرها الخبر ، فركب
خالد ومن معه إلى
زهير ، وهو غير بعيد منهم ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، والتقى
خالد وزهير فاقتتلا طويلا ثم تعانقا فسقطا على الأرض ، وشد
ورقاء بن زهير على
خالد وضربه بسيفه فلم يصنع شيئا لأنه قد ظاهر بين درعين ، وحمل
جندح بن البكاء ، وهو ابن امرأة
خالد ، على
زهير فقتله ، وهو
وخالد يعتركان ، فثار
خالد عنه وعادت
هوازن إلى منازلها ، وحمل
بنو زهير أباهم إلى بلادهم ، فقال
ورقاء بن زهير في ذلك :
رأيت زهيرا تحت كلكل خالد فأقبلت أسعى كالعجول أبادر
إلى بطلين يعتران كلاهما يريد رياش السيف والسيف نادر
فشلت يميني يوم أضرب خالدا ويمنعه مني الحديد المظاهر
فيا ليت أني قبل أيام خالد وقبل زهير لم تلدني تماضر
لعمري لقد بشرت بي إذ ولدتني فماذا الذي ردت عليك البشائر ؟
فلا يدعني قومي صريحا بحرة لئن كنت مقتولا ويسلم عامر
فطر خالد إن كنت تستطيع طيرة ولا تقعن إلا وقلبك حاذر
أتتك المنايا إن بقيت بضربة تفارق منها العيش والموت حاضر
وقال
خالد يمن على
هوازن بقتله
زهيرا :
أبلغ هوازن كيف تكفر بعدما أعتقتهم فتوالدوا أحرارا
وقتلت ربهم زهيرا بعدما جدع الأنوف وأكثر الأوتارا
وجعلت مهر نسائهم ودياتهم عقل الملوك هجائنا وبكارا
وكان
زهير سيد
غطفان ، فعلم
خالد أن
غطفان ستطلبه بسيدها ، فسار إلى
[ ص: 503 ] النعمان بن امرئ القيس بالحيرة فاستجاره ، فأجاره . فضرب له قبة ، وجمع
بنو زهير لهوازن ، فقال
الحارث بن ظالم المري : اكفوني حرب
هوازن فأنا أكفيكم
خالد بن جعفر .
وسار
الحارث حتى قدم على
النعمان فدخل عليه وعنده
خالد ، وهما يأكلان تمرا ، فأقبل
النعمان يسائله ، فحسده
خالد ، فقال
للنعمان : أبيت اللعن ! هذا رجل لي عنده يد عظيمة ، قتلت
زهيرا وهو سيد
غطفان فصار هو سيدها . فقال
الحارث : سأجزيك على يدك عندي ، وجعل
الحارث يتناول التمر ليأكله فيقع من بين أصابعه من الغضب ، فقال عروة لأخيه
خالد : ما أردت بكلامه وقد عرفته فتاكا ؟ فقال
خالد : وما يخوفني منه ؟ فوالله لو رآني نائما ما أيقظني .
ثم خرج
خالد وأخوه إلى قبتهما فشرجاها عليهما ، ونام
خالد وعروة عند رأسه يحرسه ، فلما أظلم الليل انطلق
الحارث إلى
خالد فقطع شرج القبة ودخلها وقال
لعروة : لئن تكلمت قتلتك ! ثم أيقظ
خالدا ، فلما استيقظ قال : أتعرفني ؟ قال : أنت
الحارث . قال : خذ جزاء يدك عندي ! وضربه بسيفه المعلوب فقتله ، ثم خرج من القبة وركب راحلته وسار .
وخرج
عروة من القبة يستغيث وأتى باب
النعمان فدخل عليه وأخبره الخبر ، فبث الرجال في طلب
الحارث .
قال
الحارث : فلما سرت قليلا خفت أن أكون لم أقتله فعدت متنكرا واختلطت بالناس ودخلت عليه فضربته بالسيف حتى تيقنت أنه مقتول وعدت فلحقت بقومي ، فقال
عبد الله بن جعدة الكلابي :
يا حار لو نبهته لوجدته لا طائشا رعشا ولا معزالا
شقت عليه الجعفرية جيبها جزعا وما تبكي هناك ضلالا
فانعوا أبا بحر بكل مجرب حران يحسب في القناة هلالا
[ ص: 504 ] فليقتلن بخالد سرواتكم وليجعلن لظالم تمثالا
فأجابه الحارث :
تالله قد نبهته فوجدته رخو اليدين مواكلا عسقالا
فعلوته بالسيف أضرب رأسه حتى أضل بسلحه السربالا
فجعل
النعمان يطلبه ليقتله بجاره ،
وهوازن تطلبه لتقتله بسيدها
خالد ، فلحق
بتميم فاستجار
بضمرة بن ضمرة بن جابر بن قطن بن نهشل بن دارم ، فأجاره على
النعمان وهوازن ، فلما علم
النعمان ذلك جهز جيشا إلى
بني دارم عليهم
ابن الخمس التغلبي ، وكان يطلب
الحارث بدم أبيه لأنه كان قتله .
ثم إن
الأحوص بن جعفر أخا
خالد جمع
بني عامر وسار بهم ، فاجتمعوا هم وعسكر
النعمان على
بني دارم وساروا ، فلما صاروا بأدنى مياه
بني دارم رأوا امرأة تجني الكمأة ومعها جمل لها ، فأخذها رجل من
غني وتركها عنده . فلما كان الليل نام فقامت إلى جملها فركبته ، وسارت حتى صبحت
بني دارم ، وقصدت سيدهم
زرارة بن عدس فأخبرته الخبر وقالت : أخذني أمس قوم لا يريدون غيرك ولا أعرفهم . قال : فصفيهم لي . قالت : رأيت رجلا قد سقط حاجباه فهو يرفعهما بخرقة ، صغير العينين ، وعن أمره يصدرون . قال : ذاك
الأحوص وهو سيد القوم . قالت : ورأيت رجلا قليل المنطق إذا تكلم اجتمع القوم كما تجتمع الإبل لفحلها ، أحسن الناس وجها ، ومعه ابنان له يلازمانه . قال : ذلك
مالك بن جعفر وابناه
عامر وطفيل . قالت : ورأيت رجلا جسيما كأن لحيته محمرة معصفرة . قال : ذاك
عوف بن الأحوص . قالت : ورأيت رجلا هلقاما جسيما . قال : ذاك
ربيعة بن عبد الله بن أبي بكر بن كلاب . قالت : ورأيت رجلا أسود أخنس قصيرا .
[ ص: 505 ] قال : ذاك
ربيعة بن قرط بن عبد الله بن أبي بكر . قالت : ورأيت رجلا أقرن الحاجبين ، كثير شعر السبلة ، يسيل لعابه على لحيته إذا تكلم . قال : ذاك
جندح بن البكاء . قالت : ورأيت رجلا صغير العينين ، ضيق الجبهة ، يقود فرسا له ، معه جفير لا يفارق يده . قال : ذاك
ربيعة بن عقيل بن كعب . قالت : ورأيت رجلا معه ابنان أصهبان ، إذا أقبلا رماهما الناس بأبصارهم ، فإذا أدبرا كانا كذلك . قال : ذاك
الصعق بن عمرو بن خويلد بن نفيل وابناه
يزيد وزرعة . قالت : ورأيت رجلا لا يقول كلمة إلا وهي أحد من شفرة . قال : ذاك
عبد الله بن جعدة بن كعب .
وأمرها زرارة فدخلت بيتها ، وأرسل
زرارة إلى الرعاء يأمرهم بإحضار الإبل ، ففعلوا . وأمرهم فحملوا الأهل والأثقال وساروا نحو بلاد
بغيض ، وفرق الرسل في
بني مالك بن حنظلة فأتوه ، فأخبرهم الخبر وأمرهم ، فوجهوا أثقالهم إلى بلاد
بغيض ، ففعلوا وباتوا معدين .
وأصبح
بنو عامر وأخبرهم
الغنوي حال الظعينة وهربها فسقط في أيديهم ، واجتمعوا يديرون الرأي ، فقال بعضهم : كأني بالظعينة قد أتت قومها فأخبرتهم الخبر ، فحذروا وأرسلوا أهليهم وأموالهم إلى بلاد بغيض ، وباتوا معدين لكم في السلاح ، فاركبوا بنا في طلب نعمهم وأموالهم فإنهم لا يشعرون حتى نصيب حاجتنا وننصرف . فركبوا يطلبون ظعن
بني دارم ، فلما أبطأ القوم عن
زرارة قال لقومه : إن القوم قد توجهوا إلى ظعنكم وأموالكم فسيروا إليهم . فساروا مجدين فلحقوهم قبل أن يصلوا إلى الظعن والنعم ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، فقتلت
بنو مالك بن حنظلة ابن الخمس التغلبي رئيس جيش
النعمان ، وأسرت
بنو عامر معبد بن زرارة ، وصبر
بنو دارم حتى انتصف النهار ، وأقبل
قيس بن زهير فيمن معه من ناحية أخرى ، فانهزمت
بنو عامر وجيش
النعمان وعادوا إلى بلادهم
ومعبد أسير مع
بني عامر ، فبقي معهم حتى مات .
وفي تلك الأيام أيضا مات
زرارة بن عدس .
وقيل في استجارة
الحارث ببني تميم غير ذلك ، وهو أن
النعمان طلب شيئا يغيظ به
[ ص: 506 ] الحارث بعد قتل
خالد وهربه ، فقيل له : كان قصد
الحيرة ونزل على
عياض بن ديهث التميمي وهو صديق له ، فبعث إليه
النعمان فأخذ إبلا له ، فركب
الحارث وأتى
الحيرة متخفيا واستنقذ ماله من الرعاء ورده عليه وطلب شيئا يغيظ به
النعمان ، فرأى ابنه غضبان فضرب رأسه بالسيف فقتله ، وبلغ
النعمان الخبر فبعث في طلبه فلم يدرك ، فقال
الحارث في ذلك :
أخصيي حمار بات يكدم نجمة أتؤكل جاراتي وجارك سالم
فإن تك أذوادا أصبت ونسوة فهذا ابن سلمى رأسه متفاقم
علوت بذي الحيات مفرق رأسه ولا يركب المكروه إلا الأكارم
فتكت به كما فتكت بخالد وكان سلاحي تحتويه الجماجم
بدأت بتلك وانثنيت بهذه وثالثة تبيض منها المقادم
حسبت أبا قابوس أنك مخفري ولما تذق ثكلا وأنفك راغم
[ ص: 507 ] كذا قال بعضهم ، وقيل : إن المقتول كان
شرحبيل بن الأسود بن المنذر ، وكان
الأسود قد ترك ابنه
شرحبيل عند
سنان بن أبي حارثة المري ترضعه زوجته . فمن هناك كان
لسنان مال كثير ، وكان ابنه
هرم يعطى منه ، فجاء
الحارث متخفيا فاستعار سرج
سنان ولا يعلم
سنان ، ثم أتى امرأة
سنان فقال : يقول بعلك ابعثي
بشرحبيل بن الملك مع
الحارث بن ظالم حتى يستأمن به ويتخفر به ، وهذا سرجه علامة . فزينته ودفعته إليه ، فأخذه وقتله وهرب .
فغزا
الأسود بني ذبيان وبني أسد بشط أربك ، فقتل فيهم قتلا ذريعا وسبى واستأصل الأموال وأقسم ليقتلن
الحارث ، فسار
الحارث متخفيا إلى
الحيرة ليفتك
بالأسود ، فبينما هو في منزله إذ سمع صارخة تقول : أنا في جوار
الحارث بن ظالم ، وعرف حالها ، وكان
الأسود قد أخذ لها صرمة من الإبل ، فقال لها : انطلقي غدا إلى مكان كذا ، وأتاه
الحارث . فلما وردت إبل
النعمان أخذ مالها فسلمه إليها وفيها ناقة تسمى اللقاع ، فقال
الحارث في ذلك :
إذا سمعت حنة اللقاع فادعي أبا ليلى فنعم الداعي
يمشي بغضب صارم قطاع يفري به مجامع الصداع
ثم أقبل يطلب مجيرا ، فلم يجره أحد من الناس وقالوا : يجيرك على
هوازن والنعمان وقد قتلت ولده ؟ فأتى
زرارة بن عدس وضمرة بن ضمرة فأجاراه على جميع الناس .
ثم إن
عمرو بن الإطنابة الخزرجي لما بلغه قتل
خالد بن جعفر ، وكان صديقا له ، قال : والله لو وجده يقظان ما أقدم عليه ، ولوددت أني لقيته . وبلغ
الحارث قوله وقال : والله لآتينه في رحل ولا ألقاه إلا ومعه سلاحه ، فبلغ ذلك ابن
الإطنابة فقال أبياتا ، منها :
أبلغ الحارث بن ظالم المو عد والناذر النذور عليا
إنما تقتل النيام ولا تق تل يقظان ذا سلاح كميا
فبلغ
الحارث شعره فسار إلى
المدينة وسأل عن منزل
ابن الإطنابة ، فلما دنا منه
[ ص: 508 ] نادى : يا
ابن الإطنابة أغثني ! فأتاه
عمرو فقال : من أنت ؟ قال : رجل من بني فلان خرجت أريد بني فلان ، فعرض لي قوم قريبا منك ، فأخذوا ما كان معي فاركب معي حتى نستنقذه . فركب معه ولبس سلاحه ومضى معه ، فلما أبعد عن منزله عطف عليه وقال : أنائم أنت أم يقظان ؟ فقال : يقظان . فقال : أنا
أبو ليلى وسيفي المعلوب ، فألقى
ابن الإطنابة سيفه ، وقيل : رمحه ، وقال : قد أعجلتني فأمهلني حتى آخذ سيفي . فقال : خذه . قال : أخاف أن تعجلني عن أخذه . قال : لك ذمة
ظالم لا أعجلك عن أخذه .
قال : فوذمة الإطنابة لا آخذه ! فانصرف
الحارث وهو يقول أبياتا ، منها :
بلغتنا مقالة المرء عمرو فالتقينا وكان ذاك بديا
فهممنا بقتله إذ برزنا ووجدناه ذا سلاح كميا
غير ما نائم يروع بالفت ك ولكن مقلدا مشرفيا
فمننا عليه بعد علو بوفاء وكنت قدما وفيا
ثم إن
الحارث لما علم أن
النعمان قد جد في طلبه ،
وهوازن لا تقعد عن الطلب بثأر
خالد ، خرج متنكرا إلى
الشام واستجار
بيزيد بن عمرو ، فأكرمه وأجاره . وكان
ليزيد ناقة محماة ، في عنقها مدية وزناد وملح ليمتحن بذلك رعيته ، فوحمت زوجة
الحارث واشتهت شحما ولحما ، فأخذ
الحارث الناقة فأدخلها شعبا فذبحها ، وحمل إلى امرأته من شحمها ولحمها ورفع منه . وفقدت الناقة فطلبت فوجدت عقيرة بالوادي ، فأرسل الملك إلى كاهن فسأله عنها ، فذكر له أن
الحارث نحرها ، فأرسل امرأة بطيب تشتري من لحمها من امرأة الحارث ، فأدركها
الحارث وقد اشترت اللحم فقتلها ودفنها في البيت . فسأل الملك الكاهن عن المرأة ، فقال : قتلها من نحر الناقة ، وإذا كرهت أن تفتش بيته فتأمر الرجل بالرحيل ، فإذا رحل فتشت بيته . ففعل ذلك ، فلما رحل
الحارث فتش الكاهن بيته فوجد المرأة ، وأحس الحارث بالشر فعاد إلى الكاهن فقتله ، فأخذ
[ ص: 509 ] الحارث وأحضر عند الملك ، فأمر بقتله ، فقال : إنك قد أجرتني فلا تغدر بي . فقال : إن غدرت بك مرة واحدة فقد غدرت بي مرارا . فقتله .