ذكر
قتل هارون بن غريب
في هذه السنة قتل
هارون بن غريب ، وكان سبب قتله أنه كان - كما ذكرنا - قد استعمله
القاهر على ماه
الكوفة ،
وقصبتها الدينور ، وعلى
ماسبذان وغيرها ، فلما خلع
القاهر واستخلف
الراضي ، رأى
هارون أنه أحق بالدولة من غيره ; لقرابته من
الراضي ، حيث هو ابن خال
المقتدر ، فكاتب القواد
ببغداذ يعدهم الإحسان والزيادة في الأرزاق ، ثم سار من
الدينور إلى خانقين ، فعظم ذلك على
ابن مقلة وابن ياقوت والحجرية والساجية ، واجتمعوا وشكوه إلى
الراضي ، فأعلمهم أنه كاره له ، وأذن لهم في منعه ، فراسلوه أولا ، وبذلوا له طريق
خراسان زيادة على ما في يده ، فلم يقنع به ، وتقدم إلى
النهروان ، وشرع في جباية الأموال ، وظلم الناس وعسفهم ، وقويت شوكته .
فخرج إليه
محمد بن ياقوت في سائر جيوش
بغداذ ، ونزل قريبا منه ، ووقعت الطلائع بعضها على بعض ، وهرب بعض أصحاب
محمد بن ياقوت إلى
هارون ، وراسله
محمد يستميله ، ويبذل له ، فلم يجب إلى ذلك ، وقال : لا بد من دخول
بغداذ .
فلما كان ( يوم الثلاثاء ) لست بقين من جمادى الآخرة ، تزاحف العسكران ، واشتد القتال ، واستظهر أصحاب
هارون لكثرتهم ، فانهزم أكثر أصحاب
ابن ياقوت ونهب أكثر سوادهم ، وكثر فيهم الجراح والقتل ، فسار
محمد بن ياقوت حتى قطع
قنطرة نهر بين ، فبلغ ذلك
هارون ، فسار نحو القنطرة منفردا عن أصحابه ، طمعا في قتل
محمد بن [ ص: 25 ] ياقوت ، أو أسره ، فتقنطر به فرسه ، فسقط عنه في ساقية ، فلحقه غلام له اسمه
يمن ، فضربه بالطبرزين حتى أثخنه ، وكسر عظامه ، ثم نزل إليه فذبحه ، ثم رفع رأسه وكبر ، فانهزم أصحابه وتفرقوا ، ودخل بعضهم
بغداذ سرا ، ونهب سواد
هارون ، وقتل جماعة من قواده وأسر جماعة .
وسار
محمد إلى موضع جثة
هارون ، فأمر بحملها إلى مضربه ، وأمر بغسله وتكفينه ، ثم صلى عليه ودفنه ، وأنفذ إلى داره من يحفظها من النهب ، ودخل
بغداذ ورأس
هارون بين يديه ورءوس جماعة من قواده ، فنصب
ببغداذ .