ذكر
الفتنة بين أهل صقلية وأمرائهم
في هذه السنة خالف
أهل جرجنت ، وهي من بلاد
صقلية على أميرهم
سالم بن راشد ، وكان استعمله عليهم
القائم العلوي ، صاحب
إفريقية ، وكان سيئ السيرة في الناس ، فأخرجوا عامله عليهم ، فسير إليهم
سالم جيشا كثيرا من
أهل صقلية وإفريقية ، فاقتتلوا أشد قتال ، فهزمهم
أهل جرجنت ، وتبعهم فخرج إليهم سالم ولقيهم ، واشتد القتال بينهم وعظم الخطب ، فانهزم
أهل جرجنت في شعبان .
فلما رأى
أهل المدينة خلاف
أهل جرجنت ، خرجوا أيضا على
سالم وخالفوه ، وعظم شغبهم عليه ، وقاتلوه في ذي القعدة من هذه السنة ، فهزمهم وحصرهم في
المدينة ، فأرسل إلى القائم
بالمهدية يعرفه أن
أهل صقلية قد خرجوا عن طاعته ، وخالفوا
[ ص: 65 ] عليه ، ويستمده ، فأمده القائم بجيش ، واستعمل عليهم
خليل بن إسحاق ، فساروا حتى وصلوا إلى
صقلية ، فرأى
خليل من طاعة أهلها ما سره ، وشكوا إليه من ظلم
سالم وجوره ، وخرج إليه النساء والصبيان يبكون ويشكون ، فرق الناس لهم ، وبكوا لبكائهم .
وجاء أهل البلاد إلى
خليل وأهل
جرجنت ، فلما وصلوا ، اجتمع بهم
سالم وأعلمهم أن القائم قد أرسل خليلا لينتقم منهم بمن قتلوا من عسكره ، فعاودوا الخلاف ، فشرع
خليل في بناء مدينة على مرسى
المدينة وحصنها ، ونقض كثيرا من
المدينة ، وأخذ أبوابها ، وسماها
الخالصة .
ونال الناس شدة في بناء
المدينة ، فبلغ ذلك
أهل جرجنت ، فخافوا وتحقق عندهم ما قال لهم
سالم ، وحصنوا مدينتهم واستعدوا للحرب ، فسار إليهم
خليل في جمادى الأولى سنة ست وعشرين وثلاثمائة وحصرهم ، فخرجوا إليه والتحم القتال ، واشتد الأمر ، وبقي ( محاصرا لهم ) ثمانية أشهر لا يخلو يوم من قتال ، وجاء الشتاء فرحل عنهم في ذي الحجة إلى
الخالصة فنزلها .
ولما دخلت سنة سبع وعشرين [ وثلاثمائة ] ، خالف على
خليل جميع القلاع وأهل
مازر ، كل ذلك بسعي أهل
جرجنت ، وبثوا سراياهم ، واستفحل أمرهم ، وكاتبوا ملك
القسطنطينية يستنجدونه ، فأمدهم بالمراكب فيها الرجال والطعام ، فكتب
خليل إلى القائم يستنجده ، فبعث إليه جيشا كثيرا ، فخرج
خليل بمن معه من أهل
صقلية فحصروا
قلعة ( أبي ثور ، فملكوها وكذلك أيضا
البلوط ملكوها ، وحصروا
قلعة أبلاطنوا ) ، وأقاموا عليها حتى انقضت سنة سبع وعشرين وثلاثمائة .
فلما دخلت سنة ثمان وعشرين ، رحل
خليل عن
أبلاطنوا ، وحصر
جرجنت وأطال الحصار ، ثم رحل عنها وترك عليها عسكرا يحاصرها ، مقدمهم
أبو خلف بن هارون ، فدام الحصار إلى سنة تسع وعشرين وثلاثمائة ، فسار كثير من أهلها إلى
بلاد الروم ، وطلب الباقون الأمان ، فأمنهم على أن ينزلوا من القلعة ، فلما نزلوا غدر بهم وحملهم إلى
المدينة .
[ ص: 66 ] فلما رأى أهل سائر القلاع ذلك أطاعوا ، فلما عادت البلاد الإسلامية إلى طاعته ، رحل عن
إفريقية في ذي الحجة سنة تسع وعشرين وثلاثمائة ، وأخذ معه وجوه أهل
جرجنت ، وجعلهم في مركب ، وأمر بنقبه وهو في لجة البحر فغرقوا .