ذكر
إصعاد البريديين إلى بغداذ
لما قتل
بجكم ، اجتمعت
الديلم على
بلسواز بن مالك بن مسافر ، فقتله
الأتراك ، فانحدر
الديلم إلى
أبي عبد الله البريدي ، وكانوا منتخبين ليس فيهم حشو ، فقوي بهم ، وعظمت شوكته ، فأصعدوا من
البصرة إلى
واسط في شعبان ، فأرسل
المتقي لله إليهم يأمرهم أن لا يصعدوا ، فقالوا : نحن محتاجون إلى مال ، فإن أنفذ لنا منه شيء ، لم نصعد ، فأنفذ إليهم مائة ألف وخمسين ألف دينار ، فقال
الأتراك للمتقي : نحن نقاتل
بني البريدي ، فأطلق لنا مالا وانصب لنا مقدما ، فأنفق فيهم مالا ، وفي أجناد
بغداذ القدماء أربعمائة ألف دينار من المال الذي أخذ
لبجكم ، وجعل عليه
سلامة الطولوني ، وبرزوا مع
المتقي لله إلى
نهر ديالي يوم الجمعة لثمان بقين من شعبان .
وسار
البريدي من
واسط إلى
بغداذ ، ولم يقف على ما استقر معه ، فلما قرب من
بغداذ اختلف
الأتراك البجكمية ، واستأمن بعضهم إلى
البريدي ، وبعضهم سار إلى
الموصل ، واستتر
سلامة الطولوني وأبو عبد الله الكوفي ، ولم يحصل الخليفة إلا على
[ ص: 95 ] إخراج المال ، وهم أرباب النعم والأموال ، بالانتقال من
بغداذ خوفا من
البريدي وظلمه وتهوره .
ودخل
أبو عبد الله البريدي بغداذ ثان عشر من رمضان ، ونزل بالشفيعي ، ولقيه
الوزير أبو الحسين ، والقضاة ، والكتاب ، وأعيان الناس ، وكان معه من أنواع السفن ما لا يحصى كثرة ، فأنفذ إليه المتقي يهنيه بسلامته ، وأنفذ إليه طعاما وغيره عدة ليال ، وكان يخاطب بالوزير ، وكذلك
أبو الحسين بن ميمون وزير الخليفة أيضا ، ثم عزل
أبو الحسين ، وكانت مدة وزارة
أبي الحسين ثلاثة وثلاثين يوما ، ثم قبض
أبو عبد الله البريدي على
أبي الحسين وسيره إلى
البصرة ، وحبسه بها إلى أن مات ( في صفر سنة ثلاثين وثلاثمائة من حمى حادة ) .
ثم أنفذ
البريدي إلى المتقي يطلب خمسمائة ألف دينار ليفرقها في الجند ، فامتنع عليه ، فأرسل إليه يتهدده ، ويذكره ما جرى على
المعتز ،
والمستعين ،
والمهتدي ، وترددت الرسل ، فأنفذ إليه تمام خمسمائة ألف دينار ، ولم يلق
البريدي المتقي لله مدة مقامه
ببغداذ .