ذكر
استيلاء الديلم على أذربيجان
كانت
أذربيجان بيد
ديسم بن إبراهيم الكردي ، وكان قد صحب
يوسف بن أبي الساج ، وخدم وتقدم حتى استولى على
أذربيجان ، وكان يقول بمذهب الشراة هو وأبوه ، وكان أبوه من أصحاب
هارون الشاري ، فلما قتل
هارون ، هرب إلى
أذربيجان ، وتزوج ابنة رئيس من أكرادها ، فولدت له
ديسم ، فانضم إلى
أبي الساج ، فارتفع وكبر شأنه ، وتقدم إلى أن ملك
أذربيجان بعد
يوسف بن أبي الساج ، وكان معظم جيوشه
الأكراد ، إلا نفرا يسيرا من
الديلم من عسكر
وشمكير ، أقاموا عنده حين صحبوه إلى
أذربيجان .
ثم إن
الأكراد تقووا ، وتحكموا عليه ، وتغلبوا على بعض قلاعه وأطراف بلاده ، فرأى أن يستظهر عليهم
بالديلم ، فاستكثر ذلك منهم ، وكان فيهم
صعلوك بن محمد بن مسافر ،
وعلي بن الفضل وغيرهما ، فأكرمهم
ديسم ، وأحسن إليهم ، وانتزع من
الأكراد ما تغلبوا عليه من بلاده ، وقبض على جماعة من رؤسائهم .
[ ص: 108 ] وكان وزيره
أبا القاسم علي بن جعفر ، وهو من
أهل أذربيجان ، فسعى به أعداؤه ، فأخافه
ديسم ، فهرب إلى
الطرم إلى
محمد بن مسافر ، فلما وصل إليه رأى ابنيه
وهسوذان والمرزبان قد استوحشا منه ، واستوليا على بعض قلاعه ، وكان سبب وحشتهما سوء معاملته معهما ومع غيرهما ، ثم إنهما قبضا على أبيهما
محمد بن مسافر ، وأخذوا أمواله وذخائره ، وبقي في حصن آخر وحيدا فريدا بغير مال ولا عدة ، فرأى
علي بن جعفر الحال ، فتقرب إلى
المزربان وخدمه وأطعمه في
أذربيجان ، وضمن له تحصيل أموال كثيرة يعرف هو وجوهها ، فقلده وزارته .
وكان يجمعهما مع الذي ذكرنا أنهما كانا مع الشيعة ، فإن
علي بن جعفر كان من دعاة
الباطنية ،
والمزربان مشهور بذلك ، وكان
ديسم كما ذكرنا يذهب إلى مذهب
الخوارج في بغض علي ، عليه السلام . فنفر عنه من عنده من
الديلم ، وابتدأ
علي بن جعفر فكاتب من يعلم أنه يستوحش من
ديسم يستميله ، إلى أن أجابه أكثر أصحابه ، وفسدت قلوبهم على
ديسم ، وخاصة
الديلم ، وسار
المرزبان إلى
أذربيجان ، وسار
ديسم إليه ، فلما التقيا للحرب عاد
الديلم إلى
المرزبان ، وتبعهم كثير من
الأكراد مستأمنين ، فحمل
المرزبان على
ديسم ، فهرب في طائفة يسيرة من أصحابه إلى
أرمينية ، واعتصم
بحاجيق بن الديراني ، لمودة بينهما ، فأكرمه واستأنف
ديسم يؤلف
الأكراد ، وكان أصحابه يشيرون عليه بإبعاد
الديلم لمخالفتهم إياه في الجنس والمذهب ، فعصاهم وملك
المرزبان أذربيجان ، واستقام أمره إلى أن فسد ما بينه وبين وزيره
علي بن جعفر .
وكان سبب الوحشة بينهما أن
عليا أساء السيرة مع أصحاب
المرزبان ، ( فتضافروا عليه ، فأحس بذلك ، فاحتال على
المرزبان ) فأطمعه في أموال كثيرة يأخذها له من بلد
تبريز ، فضم جندا من
الديلم وسيرهم إليها ، فاستمال أهل البلد ، فعرفهم أن
المرزبان إنما سيره إليهم ليأخذ أموالهم ، وحسن لهم قتل من عندهم من
الديلم ، ومكاتبة
ديسم ليقدم عليهم ، فأجابوه إلى ذلك .
[ ص: 109 ] وكاتب
ديسم ، ووثب أهل البلد
بالديلم فقتلوهم ، وسار
ديسم فيمن اجتمع إليه من العسكر إلى
تبريز ، وكان
المرزبان قد أساء إلى من استأمن إليه من
الأكراد ، فلما سمعوا
بديسم أنه يريد
تبريز ساروا إليه ، فلما اتصل ذلك
بالمرزبان ، ندم على إيحاش
علي بن جعفر ، ثم جمع عسكره وسار إلى
تبريز ، فتحارب هو
وديسم بظاهر
تبريز ، فانهزم
ديسم والأكراد ، وعادوا فتحصنوا
بتبريز ، وحصرهم
المرزبان وأخذ في إصلاح
علي بن جعفر ومراسلته ، وبذل له الأيمان على ما يريده ، فأجابه
علي : إنني لا أريد من جميع ما بذلته إلا السلامة وترك العمل ، فأجابه إلى ذلك وحلف له .
واشتد الحصار على
ديسم ، فسار من
تبريز إلى
أردبيل ، ( وخرج
علي بن جعفر إلى
المزربان ، فساروا إلى
أردبيل ) وترك
المرزبان على
تبريز من يحصرها ، وحصر هو
ديسم بأردبيل ، فلما طال الحصار عليه طلب الصلح ، وراسل
المرزبان في ذلك ، فأجابه إليه ، فاصطلحا وتسلم
المرزبان أردبيل ، فأكرم
ديسم وعظمه ، ووفى له بما حلف له عليه ، ثم إن
ديسم خاف على نفسه من
المرزبان ، فطلب منه أن يسيره إلى قلعته
بالطرم فيكون فيها هو وأهله ، ويقنع بما يتحصل له منها ، ولا يكلفه شيئا آخر ، ففعل
المرزبان ذلك ، وأقام
ديسم بقلعته هو وأهله .