[ ص: 165 ] ذكر
مخالفة أبي علي على الأمير نوح
وفي هذه السنة خالف
أبو علي بن محتاج على الأمير
نوح ، صاحب
خراسان وما وراء
النهر .
وسبب ذلك أن
أبا علي لما عاد من
مرو إلى
نيسابور وتجهز للمسير إلى
الري ، أنفذ إليه الأمير
نوح عارضا يستعرض العسكر ، فأساء العارض السيرة معهم ، وأسقط منهم ونقص ، فنفرت قلوبهم ، فساروا وهو على ذلك ( وانضاف إلى ذلك ) أن
نوحا أنفذ معهم من يتولى أعمال الديوان ، وجعل إليه الحل والعقد والإطلاق بعد أن كان جميعه أيام
السعيد نصر بن أحمد إلى
أبي علي ، فنفر قلبه لذلك ، ( ثم إنه عزل عن
خراسان واستعمل عليها
إبراهيم بن سيمجور كما ذكرناه ) .
ثم إن المتولي أساء إلى الجند في معاملاتهم وحوائجهم وأرزاقهم ، فازدادوا نفورا ، فشكا بعضهم إلى بعض ، وهم إذ ذاك
بهمذان ، واتفق رأيهم على مكاتبة
إبراهيم بن أحمد بن إسماعيل عم نوح ، واستقدامه إليهم ومبايعته وتمليكه البلاد . وكان
إبراهيم حينئذ
بالموصل في خدمة
ناصر الدولة ، وكان سبب مسيره إليها ما ذكرناه قبل ، فلما اتفقوا على ذلك أظهروا عليه
أبا علي ، فنهاهم عنه ، فتوعدوه بالقبض عليه إن خالفهم ، فأجابهم إلى ما طلبوا ، فكاتبوا
إبراهيم وعرفوه حالهم ، فسار إليهم في تسعين فارسا ، فقدم عليهم في رمضان من هذه السنة ، ولقيه
أبو علي بهمذان وساروا معه إلى
الري في شوال ، فلما وصلوا إليها اطلع
أبو علي من أخيه
الفضل على كتاب كتبه إلى الأمير
نوح يطلعه على حالهم ، فقبض عليه وعلى ذلك المتولي الذي أساء إلى الجند ، وسار إلى
نيسابور واستخلف على
الري والجبل نوابه .
وبلغ الخبر إلى الأمير
نوح ، فتجهز وسار إلى
مرو من
بخارى ، وكان الأجناد قد ملوا من
محمد بن أحمد الحاكم المتولي للأمور لسوء سيرته ، فقالوا
لنوح : إن الحاكم أفسد عليك الأمور
بخراسان ، وأحوج
أبا علي إلى العصيان ، وأوحش الجنود ، وطلبوا تسليمه إليهم ، وإلا ساروا إلى عمه
إبراهيم وأبي علي ، فسلمه إليهم ، فقتلوه في جمادى الأولى سنة خمس وثلاثين [ وثلاثمائة ] .
[ ص: 166 ] ولما وصل
أبو علي إلى
نيسابور ، كان بها
إبراهيم بن سيمجور ،
ومنصور بن قراتكين ، وغيرهما من القواد ، فاستمالهما
أبو علي ، فمالا إليه وصارا معه ، ودخلها في المحرم سنة خمس وثلاثين [ وثلاثمائة ] ، ثم ظهر له من
منصور ما يكره فقبض عليه .
ثم سار
أبو علي وإبراهيم من
نيسابور في ربيع الأول سنة خمس وثلاثين [ وثلاثمائة ] إلى
مرو ، وبها الأمير
نوح ، فهرب
الفضل أخو
أبي علي من محبسه ، احتال على الموكلين به وهرب إلى
قوهستان فأقام بها ، وسار
أبو علي إلى
مرو ، فلما قاربها أتاه كثير من عسكر
نوح ، وسار
نوح عنها إلى
بخارى ، واستولى
أبو علي على
مرو في جمادى الأولى سنة خمس وثلاثين [ وثلاثمائة ] وأقام بها أياما ، وأتاه أكثر أجناد
نوح وسار نحو
بخارى ، وعبر النهر إليها ، ففارقها
نوح وسار إلى
سمرقند ، ودخل
أبو علي بخارى في جمادى الآخرة سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة ، وخطب فيها
لإبراهيم العم ، وبايع له الناس .
ثم إن
أبا علي اطلع من
إبراهيم على سوء قد أضمره له ، ففارقه وسار إلى
تركستان ، وبقي
إبراهيم في
بخارى ، وفي خلال ذلك أطلق
أبو علي منصور بن قراتكين ، فسار إلى الأمير
نوح .
ثم إن
إبراهيم وافق جماعة في السر على أن يخلع نفسه من الأمر ويرده إلى ولد أخيه الأمير
نوح ، ويكون هو صاحب جيشه ، ويتفق معه على قصد
أبي علي ، ودعا أهل
بخارى إلى ذلك ، فأجابوه واجتمعوا وخرجوا إلى
أبي علي وقد تفرق عنه أصحابه ، وركب إليهم في خيل ، فردهم إلى البلد أقبح رد ، وأراد إحراق البلد ، فشفع إليه مشايخ
بخارى ، فعفا عنهم وعاد إلى مكانه ، واستحضر
أبا جعفر محمد بن نصر بن أحمد ، وهو أخو الأمير
نوح ، وعقد له الإمارة وبايع له ، وخطب له في النواحي كلها .
ثم ظهر
لأبي علي فساد نيات جماعة من الجند ، فرتب
أبا جعفر في البلد ، ورتب ما يجب ترتيبه ، وخرج عن البلد يظهر المسير إلى
سمرقند ، ويضمر العود إلى
الصغانيان ، ومنها إلى
نسف ، فلما خرج من البلد ، رد جماعة من الجند والحشم إلى
بخارى ، وكاتب
نوحا بإفراجه عنها .
ثم سار إلى
الصغانيان في شعبان ،
[ ص: 167 ] ولما فارق
أبو علي بخارى ، خرج
إبراهيم وأبو جعفر محمد بن نصر إلى
سمرقند مستأمنين إلى
نوح ، مظهرين الندم على ما كان منهم ، فقربهم وقبلهم ووعدهم وعاد إلى
بخارى في رمضان ، وقتل
نوح في تلك الأيام
طغان الحاجب ، وسمل عمه
إبراهيم ، وأخويه
أبا جعفر محمدا وأحمد ، وعادت الجيوش فاجتمعت عليه والأجناد ، وأصلح الفساد .
وأما
nindex.php?page=showalam&ids=14916الفضل بن محمد أخو
أبي علي فإنه لما هرب من أخيه كما ذكرناه ولحق
بقوهستان ، جمع جمعا كثيرا وسار نحو
نيسابور ، وبها
محمد بن عبد الرزاق من قبل
أبي علي ، فخرج منها
الفضل ، فالتقيا وتحاربا ، فانهزم
الفضل ومعه فارس واحد ، فلحق
ببخارى ، فأكرمه الأمير
نوح ، وأحسن إليه وأقام في خدمته .