[ ص: 198 ] 341
ثم دخلت سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة
ذكر
حصار البصرة
في هذه السنة سار
يوسف بن وجيه صاحب
عمان في البحر والبر إلى
البصرة ( فحصرها .
وكان سبب ذلك أن
معز الدولة لما سلك البرية إلى
البصرة ) ، وأرسل
القرامطة ينكرون عليه ذلك ، وأجابهم بما ذكرناه ، علم
يوسف بن وجيه استيحاشهم من
معز الدولة ، فكتب إليهم يطمعهم في
البصرة ، وطلب منهم أن يمدوه من ناحية البر ، فأمدوه بجمع كثير منهم ، وسار
يوسف في البحر ، فبلغ الخبر إلى الوزير
المهلبي وقد فرغ من
الأهواز والنظر فيها ، فسار مجدا في العساكر إلى
البصرة ، فدخلها قبل وصول
يوسف إليها ، وشحنها بالرجال ، وأمده
معز الدولة بالعساكر وما يحتاج إليه ، وتحارب هو
وابن وجيه أياما ، ثم انهزم
ابن وجيه ، وظفر
المهلبي بمراكبه وما معه من سلاح وغيره .
ذكر
وفاة المنصور العلوي وملك ولده المعز
في هذه السنة توفي
المنصور بالله
nindex.php?page=showalam&ids=15338أبو الطاهر إسماعيل بن القائم أبي القاسم محمد بن عبيد الله المهدي سلخ شوال ، وكانت خلافته سبع سنين وستة عشر يوما ،
[ ص: 199 ] وكان عمره تسعا وثلاثين سنة ، وكان خطيبا بليغا ، يخترع الخطبة لوقته ، وأحواله مع
أبي يزيد الخارجي وغيره تدل على شجاعة وعقل .
وكان سبب وفاته أنه خرج إلى
سفاقس وتونس ثم إلى
قابس ، وأرسل إلى
أهل جزيرة جربة يدعوهم إلى طاعته ، فأجابوه إلى ذلك ، وأخذ منهم رجالا معه وعاد ، وكانت سفرته شهرا ، وعهد إلى ابنه معد بولاية العهد ، فلما كان رمضان ، خرج متنزها أيضا إلى مدينة
جلولاء ، وهو موضع كثير الثمار ، وفيه من الأترج ما لا يرى مثله في عظمه ، يكون شيء يحمل الجمل منه أربع أترجات ، فحمل منه إلى قصره .
وكان
للمنصور جارية حظية عنده ، فلما رأته استحسنته ، وسألت
المنصور أن تراه في أغصانه ، فأجابها إلى ذلك ، ورحل إليها في خاصته ، وأقام بها أياما ثم عاد إلى
المنصورية ، فأصابه في الطريق ( ريح شديدة ) وبرد ومطر ، ودام عليه فصبر وتجلد ، وكثر الثلج ، فمات جماعة من الذين معه ، واعتل
المنصور علة شديدة ، لأنه لما وصل إلى
المنصورية أراد دخول الحمام ، فنهاه
طبيبه إسحاق بن سليمان الإسرائيلي عن ذلك ، فلم يقبل منه ودخل الحمام ، ففنيت الحرارة الغريزية منه ولازمه السهر ، فأقبل
إسحاق يعالج المرض والسهر باق بحاله ، فاشتد ذلك على
المنصور ، فقال لبعض الخدم : أما في
القيروان طبيب غير
إسحاق يخلصني من هذا الأمر ؟ قال : هاهنا شاب قد نشأ الآن اسمه
إبراهيم ، فأمر بإحضاره ، وشكا إليه ما يجده من السهر ، فجمع له أشياء منومة ، وجعلت في قنينة على النار ، وكلفه شمها ، فلما أدمن شمها نام .
وخرج
إبراهيم وهو مسرور بما فعل ، وبقي
المنصور نائما ، فجاء
إسحاق فطلب الدخول عليه ، فقيل : هو نائم ، فقال : إن كان صنع له شيء ينام منه فقد مات ، فدخلوا عليه فوجدوه ميتا ، فدفن في قصره وأرادوا قتل
إبراهيم ، فقال
إسحاق : ما له ذنب ، إنما داواه بما ذكره الأطباء ، غير أنه جهل أصل المرض وما عرفتموه ، وذلك أنني كنت ( في معالجته ) أنظر في تقوية الحرارة الغريزية وبها يكون النوم ، فلما عولج بالأشياء المطفئة لها ، علمت أنه قد مات .
[ ص: 200 ] ولما مات ولي الأمر بعده ابنه معد ، وهو
nindex.php?page=showalam&ids=15278المعز لدين الله ، وأقام في تدبير الأمور إلى سابع ذي الحجة ، فأذن للناس فدخلوا عليه ، وجلس لهم فسلموا عليه بالخلافة ، وكان عمره أربعا وعشرين سنة .
فلما دخلت سنة ست وأربعين [ وثلاثمائة ] صعد
جبل أوراس ، وجال فيه عسكره ، وهو ملجأ كل منافق على الملوك ، وكان فيه
بنو كملان ،
ومليلة ، وقبيلتان من
هوارة ، لم يدخلوا في طاعة من تقدمه ، فأطاعوا
المعز ، ودخلوا معه البلاد ، وأمر نوابه بالإحسان إلى البربر ، فلم يبق منهم أحد إلا أتاه ، وأحسن إليهم
المعز ، وعظم أمره ، ومن جملة من استأمن إليه
محمد بن خزر الزناتي أخو معبد ، فأمنه
المعز وأحسن إليه .
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة في ربيع الأول ، ضرب
معز الدولة وزيره
nindex.php?page=showalam&ids=15353أبا محمد المهلبي بالمقارع مائة وخمسين مقرعة ، ووكل به في داره ولم يعزله من وزارته ، وكان نقم عليه أمورا ضربه بسببها .
وفيها في ربيع الآخر ، وقع حريق عظيم
ببغداذ في سوق الثلاثاء ، فاحترق فيه للناس ما لا يحصى .
وفي هذه السنة ملك الروم مدينة سروج ، وسبوا أهلها وغنموا أموالهم ، وأخربوا المساجد .
وفيها سار
ركن الدولة من
الري إلى
طبرستان وجرجان ، فسار عنها إلى ناحية
نسا وأقام بها ، واستولى
ركن الدولة على تلك البلاد ، وعاد عنها إلى
الري ، واستخلف
بجرجان الحسن بن فيرزان وعلي بن كامة ، فلما رجع
ركن الدولة عنها ، قصدها
وشمكير فانهزموا منه ، واستردها
وشمكير .
[ ص: 201 ] وفيها ولد
أبو الحسن علي بن ركن الدولة بن بويه ، وهو فخر الدولة .
[ الوفيات ]
وفيها توفي
nindex.php?page=showalam&ids=14642أبو علي إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الصفار النحوي المحدث ، وهو من أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد ، وكان مولده سنة سبع وأربعين ومائتين ، ( وكان مكثرا من الحديث ) .