[ ص: 211 ] 344
ثم دخلت سنة أربع وأربعين وثلاثمائة
ذكر
مرض معز الدولة وما فعله ابن شاهين
كان قد عرض
لمعز الدولة في ذي القعدة سنة ثلاث وأربعين [ وثلاثمائة ] مرض يسمى فريافسمس ، وهو دوام الإنعاظ مع وجع شديد في ذكره ، مع توتر أعصابه ، وكان
معز الدولة خوارا في أمراضه ، فأرجف الناس به ، واضطربت
بغداذ ، فاضطر إلى الركوب ، فركب في ذي الحجة على ما به من شدة المرض ، فلما كان في المحرم من سنة أربع وأربعين وثلاثمائة ، أوصى إلى ابنه
بختيار ، وقلده الأمر بعده ، وجعله أمير الأمراء .
وبلغ
nindex.php?page=showalam&ids=16690عمران بن شاهين أن
معز الدولة قد مات ، واجتاز عليه مال يحمل إلى
معز الدولة من
الأهواز ، وفي صحبته خلق كثير من التجار ، فخرج عليهم فأخذ الجميع ، فلما عوفي
معز الدولة ، راسل
ابن شاهين في المعنى ، فرد عليه ما أخذه له ، وحصل له أموال التجار ، وانفسخ الصلح بينهما ، وكان ذلك في المحرم .
ذكر
خروج الخراسانية إلى الري وأصبهان
في هذه السنة خرج عسكر
خراسان إلى
الري وبها
ركن الدولة ، وكان قد قدمها من
جرجان أول المحرم ، فكتب إلى أخيه
معز الدولة يستمده ، فأمده بعسكر مقدمهم الحاجب
سبكتكين ، وسير من
خراسان عسكرا آخر إلى
أصبهان على طريق المفازة ، وبها
[ ص: 212 ] الأمير أبو منصور بويه بن ركن الدولة .
فلما بلغه خبرهم ، سار عن
أصبهان بالخزائن والحرم التي لأبيه ، فبلغوا
خان لنجان ، وكان مقدم العسكر الخراساني
محمد بن ماكان ، فوصلوا إلى
أصبهان ، فدخلوها وخرج
ابن ماكان منها في طلب
بويه ، فأدرك الخزائن فأخذها وسار في أثره ، وكان من لطف الله به أن الأستاذ
nindex.php?page=showalam&ids=12826أبا الفضل بن العميد وزير
ركن الدولة ، اتصل بهم في تلك الساعة ، فعارض
ابن ماكان وقاتله ، فانهزم أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=12826ابن العميد عنه ، واشتغل ( أصحاب )
ابن ماكان بالنهب .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12826ابن العميد : فبقيت وحدي وأردت اللحاق بأصحابي ، ففكرت وقلت : بأي وجه ألقى صاحبي وقد أسلمت أولاده ، وأهله ، وأمواله ، وملكه ، ونجوت بنفسي ؟ فرأيت القتل أيسر علي من ذلك ، فوقفت ، وعسكر
ابن ماكان ينهب أثقالي وأثقال عسكري ، فلحق
nindex.php?page=showalam&ids=12826بابن العميد نفر من أصحابه ، ووقفوا معه ، وأتاهم غيرهم فاجتمع معهم ( جماعة ) ، فحمل على
الخراسانيين وهم مشغولون بالنهب ، وصاحوا فيهم ، فانهزم
الخراسانيون فأخذوا من بين قتيل وأسير ، وأسر
ابن ماكان وأحضر عند
nindex.php?page=showalam&ids=12826ابن العميد ، وسار
nindex.php?page=showalam&ids=12826ابن العميد إلى
أصبهان ، فأخرج من كان بها من أصحاب
ابن ماكان ، وأعاد أولاد
ركن الدولة وحرمه إلى
أصبهان ، واستنقذ أمواله .
ثم إن
ركن الدولة راسل
بكر بن مالك صاحب جيوش
خراسان ، واستماله فاصطلحا على مال يحمله
ركن الدولة ( إليه ، ويكون
الري وبلد
الجبل بأسره مع
ركن الدولة ، وأرسل
ركن الدولة ) إلى أخيه
معز الدولة يطلب خلعا ولواء بولاية
خراسان لبكر بن مالك ، فأرسل إليه ذلك .
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة وقع
بالري وباء كثير ، مات فيه من الخلق ما لا يحصى ، وكان فيمن مات
أبو علي بن محتاج الذي كان صاحب جيوش
خراسان ، ومات معه ولده ، وحمل
أبو علي إلى
الصغانيان ، وعاد من كان معه من القواد إلى
خراسان .
[ ص: 213 ] وفيها وقع
الأكراد بناحية
ساوة على قفل من الحجاج فاستباحوه ، وفيها خرج بناحية
دنباوند رجل ادعى النبوة ، فقتل ، وخرج
بأذربيجان رجل آخر يدعي أنه يحرم اللحوم وما يخرج من الحيوان ، وأنه يعلم الغيب ، فأضافه رجل أطعمه كشكية بشحم ، فلما أكلها قال له : ألست تحرم اللحم وما يخرج من الحيوان ، وأنك تعلم الغيب ؟ قال : بلى . قال : فهذه الكشكية بشحم ، ولو علمت الغيب لما خفي عليك ذلك ، فأعرض الناس عنه . وفيها أنشأ
عبد الرحمن الأموي صاحب
الأندلس مركبا كبيرا لم يعمل مثله ، وسير فيه أمتعة إلى
بلاد الشرق ، فلقي في البحر مركبا فيه رسول من
صقلية إلى
المعز ، فقطع عليه أهل المركب الأندلسي ، وأخذوا ما فيه ، وأخذوا الكتب التي إلى
المعز ، فبلغ ذلك
المعز ، فعمر أسطولا واستعمل عليه
الحسن بن علي صاحب
صقلية ، وسيره إلى
الأندلس ، فوصلوا إلى
المرية ، فدخلوا المرسى وأحرقوا جميع ما فيه من المراكب ، وأخذوا ذلك المركب ، وكان قد عاد من
الإسكندرية ، وفيه أمتعة
لعبد الرحمن ، وجوار مغنيات ، وصعد من الأسطول إلى البر فقتلوا ونهبوا ، ورجعوا سالمين إلى المهدية .
ولما سمع
عبد الرحمن الأموي ، سير أسطولا إلى بعض بلاد
إفريقية ، فنزلوا ونهبوا ، فقصدتهم عساكر
المعز ، فعادوا إلى مراكبهم ، ورجعوا إلى
الأندلس وقد قتلوا وقتل منهم ( خلق كثير ) .