[ ص: 221 ] 347
ثم دخلت سنة سبع وأربعين وثلاثمائة
ذكر
استيلاء معز الدولة على الموصل وعوده عنها
قد ذكرنا صلح
معز الدولة مع
ناصر الدولة على ألفي ألف درهم كل سنة ، فلما كان هذه السنة ، أخر
ناصر الدولة حمل المال ، فتجهز
معز الدولة إلى
الموصل وسار نحوها منتصف جمادى الأولى ، ومعه وزيره
المهلبي ، ففارقها
ناصر الدولة إلى
نصيبين ، واستولى
معز الدولة على
الموصل .
فكان من عادة
ناصر الدولة إذا قصده أحد ، سار عن
الموصل واستصحب معه جميع الكتاب ، والوكلاء ، ومن يعرف أبواب المال ، ومنافع السلطان ، وربما جعلهم في قلاعه
كقلعة كواشى ،
والزعفران ، وغيرهما ، وكانت
قلعة كواشى تسمى ذلك الوقت
قلعة أردمشت ، وكان
ناصر الدولة يأمر العرب بالإغارة على العلافة ومن يحمل الميرة ، فكان الذي يقصد بلاد
ناصر الدولة يبقى محصورا مضيقا عليه .
فلما قصده
معز الدولة هذه المرة فعل ذلك به ، فضاقت الأقوات على
معز الدولة وعسكره ، وبلغه أن
بنصيبين من الغلات السلطانية شيئا كثيرا ، فسار عن
الموصل نحوها ، واستخلف
بالموصل سبكتكين الحاجب الكبير ، فلما توسط الطريق ، بلغه أن أولاد
ناصر الدولة أبا المرجى وهبة الله بسنجار في عسكر ، فسير إليهم عسكرا ، فلم يشعر أولاد
ناصر الدولة بالعسكر إلا وهو معهم ، فعجلوا عن أخذ أثقالهم ، فعاد أولاد
ناصر الدولة إليهم وهم غارون ، فوضعوا السيف فيهم فقتلوا ، وأسروا ، وأقاموا
بسنجار .
وسار
معز الدولة إلى
نصيبين ، ففارقها
ناصر الدولة إلى
ميافارقين ، ففارقه أصحابه وعادوا إلى
معز الدولة مستأمنين ، فلما رأى
ناصر الدولة ذلك سار إلى أخيه
سيف الدولة [ ص: 222 ] بحلب ، فلما وصل خرج إليه ولقيه ، وبالغ في إكرامه ، وخدمه بنفسه ، حتى إنه نزع خفه بيديه .
وكان أصحاب
ناصر في حصونه ببلد
الموصل ،
والجزيرة ، يغيرون على أصحاب
معز الدولة بالبلد ، فيقتلون فيهم ، ويأسرون منهم ، ويقطعون الميرة عنهم .
ثم إن
سيف الدولة راسل
معز الدولة في الصلح ، وترددت الرسل ( في ذلك ) ، فامتنع
معز الدولة في تضمين
ناصر الدولة لخلفه معه مرة بعد أخرى ، فضمن
سيف الدولة البلاد منه بألفي درهم وتسعمائة ألف درهم ، وإطلاق من أسر من أصحابه
بسنجار وغيرها ، وكان ذلك في المحرم سنة ثمان وأربعين [ وثلاثمائة ] .
وإنما أجاب
معز الدولة إلى الصلح بعد تمكنه من البلاد ; لأنه ضاقت عليه الأموال ، وتقاعد الناس في حمل الخراج ، واحتجوا بأنهم لا يصلون إلى غلاتهم ، وطلبوا الحماية من العرب أصحاب
ناصر الدولة ، فاضطر
معز الدولة إلى الانحدار ، وأنف من ذلك ، فلما وردت عليه رسالة
سيف الدولة ، استراح إليها ، وأجابه إلى ما طلبه من الصلح ، ثم انحدر إلى
بغداذ .
ذكر
مسير جيوش المعز العلوي إلى أقاصي المغرب
وفيها عظم أمر
أبي الحسن جوهر عند
المعز بإفريقية ، وعلا محله ، وصار في رتبة الوزارة ، فسيره المعز في صفر في جيش كثيف منهم
زيري بن مناد الصنهاجي وغيره ، وأمره بالمسير إلى أقاصي
المغرب ، فسار إلى
تاهرت ، فحضر عنده
يعلى بن محمد الزناتي ، فأكرمه ، وأحسن إليه ، ثم خالف على
جوهر ، فقبض عليه ، وثار أصحابه ، فقاتلهم
جوهر ، فانهزموا وتبعهم
جوهر إلى مدينة
أفكان ، فدخلها بالسيف ونهبها ،
[ ص: 223 ] ونهب
قصور يعلى ، وأخذ ولده ، وكان صبيا ، وأمر بهدم
أفكان وإحراقها بالنار ، وكان ذلك في جمادى الآخرة .
ثم سار منها إلى
فاس ، وبها صاحبها
أحمد بن بكر ، فأغلق أبوابها ، فنازلها
جوهر وقاتلها مدة ، فلم يقدر عليها ، وأتته هدايا الأمراء الفاطميين بأقاصي السوس ، وأشار على
جوهر وأصحابه بالرحيل إلى
سجلماسة ، وكان صاحبها
محمد بن واسول قد تلقب بالشاكر لله ، ويخاطب بأمير المؤمنين ، وضرب السكة باسمه ، وهو على ذلك ست عشرة سنة ، فلما سمع
بجوهر هرب ، ثم أراد الرجوع إلى
سجلماسة ، فلقيه أقوام ، فأخذوه أسيرا ، وحملوه إلى
جوهر .
ومضى
جوهر حتى انتهى إلى البحر المحيط ، فأمر أن يصطاد له من سمكه فاصطادوا له ، فجعله في قلال الماء وحمله إلى
المعز ، وسلك تلك البلاد جميعها فافتتحها وعاد إلى
فاس ، فقاتلها مدة طويلة ، فقام
زيري بن مناد فاختار من قومه رجالا لهم شجاعة ، ( وأمرهم أن يأخذوا السلاليم ، وقصدوا البلد ) فصعدوا إلى السور الأدنى في السلاليم ،
وأهل فاس آمنون ، فلما صعدوا على السور ، قتلوا من عليه ونزلوا إلى السور الثاني ، وفتحوا الأبواب ، ( وأشعلوا المشاعل ) ، وضربوا الطبول ، وكانت الإمارة بين
زيري وجوهر ، فلما سمعها
جوهر ، ركب في العساكر فدخل
فاسا ، فاستخفى صاحبها ، وأخذ بعد يومين ، وجعل مع صاحب
سجلماسة ، وكان فتحها في رمضان سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة ، فحملهما في قفصين إلى (
المعز بالمهدية ) ، وأعطى
تاهرت لزيري بن مناد .
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة كان
ببلاد الجبل وباء عظيم ، مات فيه أكثر أهل البلاد ، وكان أكثر من مات في النساء ، والصبيان ، وتعذر على الناس عيادة المرضى ، وشهود الجنائز لكثرتها .
وفيها انخسف القمر جميعه .
[ ص: 224 ] [
الوفيات ]
وفيها توفي
أبو الحسن علي بن أحمد البوشنجي الصوفي بنيسابور ، وهو أحد المشهورين منهم ،
nindex.php?page=showalam&ids=12463وأبو الحسن محمد بن الحسن بن عبد الله بن أبي الشوارب قاضي
بغداذ ، وكان مولده سنة اثنتين وتسعين ومائتين ،
وأبو علي الحسين بن علي بن يزيد الحافظ النيسابوري في جمادى الأولى .
وفيها توفي
عبد الله بن جعفر بن درستويه أبو محمد الفارسي النحوي في صفر ، ( وكان مولده سنة ثمان وخمسين ومائتين ) ، ( وأخذ النحو عن
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد ) .