ذكر
فتح رمطة والحرب بين المسلمين والروم بصقلية
قد ذكرنا سنة إحدى وخمسين [ وثلاثمائة ] فتح
طبرمين وحصر
رمطة والروم فيها ،
[ ص: 251 ] فلما رأى
الروم ذلك ، خافوا وأرسلوا إلى ملك
القسطنطينية يعلمونه الحال ، ويطلبون منه أن ينجدهم بالعساكر ، فجهز إليهم عسكرا عظيما يزيدون على أربعين ألف مقاتل ، وسيرهم في البحر ، فوصلت الأخبار إلى الأمير
أحمد أمير
صقلية ، فأرسل إلى
المعز بإفريقية يعرفه ذلك ويستمده ، ويسأل إرسال العساكر إليه سريعا ، وشرع هو في إصلاح الأسطول ، والزيادة فيه ، وجمع الرجال المقاتلة في البر والبحر .
وأما
المعز فإنه جمع الرجال ، وحشد وفرق فيهم الأموال الجليلة ، وسيرهم مع
الحسن بن علي والد أحمد ، فوصلوا إلى
صقلية في رمضان ، وسار بعضهم إلى الذين يحاصرون
رمطة ، فكانوا معهم على حصارها .
فأما
الروم فإنهم وصلوا أيضا إلى
صقلية ، ونزلوا عند مدينة
مسيني في شوال ، وزحفوا منها بجموعهم التي لم يدخل
صقلية مثلها إلى
رمطة ، فلما سمع
الحسن بن عمار مقدم الجيش الذين يحاصرون
رمطة ذلك ، جعل عليها طائفة من عسكره يمنعون من يخرج منها ، وبرز بالعساكر للقاء
الروم وقد عزموا على الموت ، ووصل
الروم وأحاطوا بالمسلمين .
ونزل
أهل رمطة إلى من يليهم ليأتوا المسلمين من ظهورهم ، فقاتلهم الذين جعلوا هناك لمنعهم ، وصدوهم عما أرادوا ، وتقدم
الروم إلى القتال ، وهم مدلون بكثرتهم وبما معهم من العدد وغيرها ، والتحم القتال وعظم الأمر على المسلمين ، وألحقهم العدو بخيامهم ، وأيقن
الروم بالظفر ، فلما رأى المسلمون عظم ما نزل بهم ، اختاروا الموت ، ورأوا أنه أسلم لهم ، وأخذوا بقول الشاعر :
تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد لنفسي حياة مثل أن أتقدما
.
فحمل بهم
الحسن بن عمار أميرهم ، وحمي الوطيس حينئذ ، وحرضهم على قتال الكفار ، وكذلك فعل بطارقة
الروم ، حملوا وحرضوا عساكرهم .
وحمل منويل مقدم
الروم ، فقتل في المسلمين ، ( فطعنه المسلمون ) ، فلم يؤثر فيه لكثرة ما عليه من اللباس ، فرمى بعضهم فرسه فقتله ، واشتد القتال عليه ، فقتل هو
[ ص: 252 ] وجماعة من بطارقته ، فلما قتل انهزم
الروم أقبح هزيمة ، وأكثر المسلمون فيهم القتل ، ووصل المنهزمون إلى جرف خندق عظيم كالحفرة ، فسقطوا فيها من خوف السيف ، فقتل بعضهم بعضا حتى امتلأت ، وكانت الحرب من بكرة إلى العصر ، وبات المسلمون يقاتلونهم في كل ناحية ، وغنموا من السلاح والخيل ، وصنوف الأموال ما لا يحد .
وكان في جملة الغنيمة سيف هندي عليه مكتوب : هذا سيف هندي ، وزنه مائة وسبعون مثقالا ، طالما ضرب به بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، فأرسل إلى
المعز مع الأسرى والرءوس ، وسار من سلم من
الروم إلى
ريو .
وأما
أهل رمطة فإنهم ضعفت نفوسهم ، وكانت الأقوات قد قلت عندهم ، فأخرجوا من فيها من الضعفاء ، وبقي المقاتلة ، فزحف إليهم المسلمون وقاتلوهم إلى الليل ، ( ولزموا ) القتال في الليل أيضا ، وتقدموا بالسلاليم فملكوها عنوة ، وقتلوا من فيها ، وسبوا الحرم والصغار ، وغنموا ما فيها ، وكان شيئا كثيرا عظيما ، ورتب فيها من المسلمين من يعمرها ويقيم فيها .
ثم إن
الروم تجمع من سلم منها ، وأخذوا معهم من في
صقلية وجزيرة
ريو منهم ، وركبوا مراكبهم يحفظون نفوسهم ، فركب الأمير
أحمد في عساكره وأصحابه في المراكب أيضا ، وزحف إليهم في الماء وقاتلهم ، واشتد القتال بينهم ، وألقى جماعة من المسلمين نفوسهم في الماء ، وخرقوا كثيرا من المراكب التي
للروم ، ( فغرقت ، وكثر القتل في
الروم ) ، فانهزموا لا يلوي أحد على أحد ، وسارت سرايا المسلمين في مدائن
الروم ، فغنموا منها ، فبذل أهلها لهم من الأموال ، وهادنوهم ، وكان ذلك سنة أربع وخمسين وثلاثمائة ، وهذه الوقعة الأخيرة هي المعروفة بوقعة
المجاز .