[ ص: 269 ] ذكر
خروج عساكر خراسان وموت وشمكير
وفي هذه السنة جهز الأمير
منصور بن نوح صاحب
خراسان وما وراء النهر الجيوش إلى
الري .
وكان سبب ذلك أن
أبا علي بن إلياس سار من
كرمان إلى
بخارى ملتجئا إلى
الأمير منصور ، على ما نذكره ، إن شاء الله تعالى ، فلما ورد عليه أكرمه وعظمه ، فأطمعه في مالك
بني بويه ، وحسن له قصدها ، وعرفه أن نوابه لا يناصحونه ، وأنهم يأخذون الرشى من
الديلم ، فوافق ذلك ما كان يذكره له
وشمكير ، فكاتب الأمير
منصور وشمكير ،
والحسن بن الفيرزان ، يعرفهما ما عزم عليه من قصد
الري ، ويأمرهما بالتجهز لذلك ليسيرا مع عسكره .
ثم إنه جهز العساكر وسيرها مع صاحب جيوش
خراسان ، وهو
أبو الحسن محمد بن إبراهيم سيمجور الدواتي ، وأمره بطاعة
وشمكير ، والانقياد له ، والتصرف بأمره ، وجعله مقدم الجيوش جميعها .
فلما بلغ الخبر إلى
ركن الدولة أتاه ما لم يكن في حسابه ، وأخذه المقيم المقعد ، وعلم أن الأمر قد بلغ الغاية ، فسير أولاده وأهله إلى
أصبهان ، وكاتب ولده
عضد الدولة يستمده ، وكاتب ابن أخيه
عز الدولة بختيار يستنجده أيضا .
فأما
عضد الدولة فإنه جهز العساكر وسيرهم إلى طريق
خراسان ، وأظهر أنه يريد قصد
خراسان لخلوها من العساكر ، فبلغ الخبر
أهل خراسان فأحجموا قليلا ، ثم ساروا حتى بلغوا
الدامغان ، وبرز
ركن الدولة في عساكره من
الري نحوهم ، فاتفق موت
وشمكير ، فكان سبب موته أنه وصله من صاحب
خراسان هدايا من جملتها خيل ، فاستعرض الخيل واختار أحدها وركبه للصيد ، فعارضه خنزير قد رمي بحربة ، وهي ثابتة فيه ، فحمل الخنزير على
وشمكير ، وهو غافل ، فضرب الفرس ، فشب تحته ، فألقاه إلى الأرض ، وخرج الدم من أذنيه وأنفه ، فحمل ميتا ، وذلك في المحرم من سنة سبع وخمسين [ وثلاثمائة ] ، وانتقض جميع ما كانوا فيه ، وكفى الله
ركن الدولة شرهم .
ولما مات
وشمكير قام ابنه
بيستون مقامه ، وراسل
ركن الدولة وصالحه ، فأمد
ركن الدولة بالمال والرجل .
ومن أعجب ما يحكى مما يرغب في حسن النية وكرم المقدرة أن
وشمكير لما
[ ص: 270 ] اجتمعت معه عساكر
خراسان وسار كتب إلى
ركن الدولة يتهدده بضروب من الوعيد والتهديد ، ويقول : والله لئن ظفرت بك لأفعلن بك ولأصنعن ، بألفاظ قبيحة ، فلم يتجاسر الكاتب أن يقرأه ، فأخذ
ركن الدولة فقرأه وقال للكاتب : اكتب إليه : أما جمعك وأحشادك فما كنت قط أهون منك علي الآن ، وأما تهديدك وإيعادك فوالله لئن ظفرت بك لأعاملنك بضده ، ولأحسنن إليك ولأكرمنك ، فلقي
وشمكير سوء نيته ، ولقي
ركن الدولة حسن نيته .
وكان
بطبرستان عدو
لركن الدولة يقال له
نوح بن نصر ، شديد العداوة له ، لا يزال يجمع له ويقصد أطراف بلاده ، فمات الآن ، وعصى عليه
بهمذان إنسان يقال له
أحمد بن هارون الهمذاني لما رأى خروج عساكر
خراسان ، وأظهر العصيان ، فلما أتاه خبر موت
وشمكير مات لوقته ، وكفى الله
ركن الدولة هم الجميع .