ذكر
اختلاف أولاد ناصر الدولة وموت أبيهم
كان سبب اختلاف أولاد
ناصر الدولة أنه كان أقطع ولده
حمدان مدينة
الرحبة وماردين وغيرهما . وكان
أبو تغلب وأبو البركات وأختهما جملة أولاد
ناصر الدولة من زوجته
فاطمة بنت أحمد الكردية ، وكانت مالكة أمر
ناصر الدولة ، فاتفقت مع ابنها
أبي تغلب ، وقبضوا على
ناصر الدولة ، على ما ذكرناه ، فابتدأ
ناصر الدولة يدبر في القبض عليهم ، فكاتب ابنه
حمدان يستدعيه ليتقوى به عليهم ، فظفر أولاده بالكتاب ، فلم ينفذوه ، وخافوا أباهم وحذروه ، فحملهم خوفه على نقله إلى
قلعة كواشي .
واتصل ذلك
بحمدان ، فعظم عليه ، وصار عدوا مباينا ، وكان أشجعهم ، وكان قد
[ ص: 283 ] سار عند وفاة عمه (
سيف الدولة من
الرحبة إلى
الرقة فملكها ، وسار ) إلى
نصيبين وجمع من أطاعه ، وطالب إخوته بالإفراج عن والده وإعادته إلى منزله ، فسار
أبو تغلب ، ( إليه ليحاربه ، فانهزم
حمدان قبل اللقاء إلى
الرقة ، فنازله
أبو تغلب ) وحصره ثم اصطلحا على دخن ، وعاد كل واحد منهما إلى موضعه .
وعاش
nindex.php?page=showalam&ids=17190ناصر الدولة الحسن بن أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان بن حمدون التغلبي شهورا ، ومات في ربيع الأول سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة ، ( ودفن
بتل توبة ، شرقي
الموصل ) ، وقبض
أبو تغلب أملاك أخيه
حمدان ، وسير أخاه
أبا البركات إلى
حمدان ، فلما قرب
الرحبة استأمن إليه كثير من أصحاب
حمدان ، فانهزم حينئذ ، وقصد
العراق مستأمنا إلى
بختيار ، فوصل
بغداذ في شهر رمضان سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة ، فأكرمه
بختيار وعظمه ، وحمل إليه هدية كثيرة جليلة المقدار ومعها كل ما يحتاج إليه مثله ، وأرسل إلى
أبي تغلب النقيب أبا أحمد الموسوي والد الشريف الرضي في الصلح مع أخيه ، فاصطلحا ، وعاد
حمدان إلى
الرحبة ، وكان مسيره من
بغداذ في جمادى الأولى سنة تسع وخمسين وثلاثمائة .
فلما سمع
أبو البركات بمسير أخيه
حمدان على هذه الصورة فارق
الرحبة ، ودخلها
حمدان ، وراسله أخوه
أبو تغلب في الاجتماع به ، فامتنع من ذلك ، فعاد
أبو تغلب وسير إليه أخاه
أبا البركات ، فلما علم
حمدان بذلك فارقها ، فاستولى
أبو البركات عليها ، واستناب بها من يحفظها في طائفة من الجيش ، وعاد إلى
الرقة ثم إلى
عربان .
فلما سمع
حمدان بعودته عنها ، وكان ببرية
تدمر ، عاد إليها في شعبان ، فوافاها ليلا ، فأصعد جماعة من غلمانه السور ، وفتحوا له باب البلد فدخله ، ولا يعلم من به من الجند ، فلما صار في البلد وأصبح أمر بضرب البوق ، ( فبادر من
بالرحبة من الجند
[ ص: 284 ] منقطعين يظنون أن صوت البوق ) من خارج البلد ، وكل من وصل إلى
حمدان أسره ، حتى أخذهم جميعهم ، فقتل بعضا واستبقى بعضا ، فلما سمع
أبو البركات بذلك عاد إلى
قرقيسيا ، واجتمع هو وأخوه
حمدان منفردين ، فلم يستقر بينهما قاعدة ، فقال
أبو البركات لحمدان : أنا أعود إلى
عربان ، وأرسل إلى
أبي تغلب يجيب إلى ما تلتمسه منه .
فسار عائدا إلى
عربان ، وعبر
حمدان الفرات في مخاضة بها ، وسار في أثر أخيه أبي البركات ، فأدركه
بعربان وهو آمن ، فلقيهم
أبو البركات بغير جنة ولا سلاح ، فقاتلهم ، واشتد القتال بينهم ، وحمل
أبو البركات بنفسه في وسطهم ، فضربه أخوه
حمدان فألقاه وأخذه أسيرا ، فمات من يومه ، وهو ثالث رمضان ، فحمل في تابوت إلى
الموصل ، ودفن بتل توبة عند أبيه .
وتجهز
أبو تغلب ليسير إلى
حمدان ، وقدم بين يديه أخاه
أبا الفوارس محمدا إلى
نصيبين ، فلما وصلها كاتب أخاه
حمدان ومالأ على
أبي تغلب ، فبلغ الخبر
أبا تغلب ، فأرسل إليه يستدعيه ليزيد في إقطاعه ، فلما حضر عنده قبض عليه وسيره إلى
قلعة كواشي ، من بلد
الموصل ، وأخذ أمواله ، وكانت قيمتها خمسمائة ألف دينار .
فلما قبض عليه سار
إبراهيم والحسين ابنا
ناصر الدولة إلى أخيهما
حمدان ، خوفا من
أبي تغلب ، فاجتمعا معه ، وساروا إلى
سنجار ، فسار
أبو تغلب إليهم من
الموصل في شهر رمضان سنة ستين وثلاثمائة ، ولم يكن لهم بلقائه طاقة ، فراسله أخوه
إبراهيم والحسين يطلبان العود إليه خديعة منهما ليؤمنهما ويفتكا به ، فأجابهما إلى ذلك ، فهربا إليه ، وتبعهما كثير من أصحاب
حمدان ، ( فعاد
حمدان ) حينئذ من
سنجار إلى
عربان ، واستأمن إلى
أبي تغلب ، صاحب
حمدان وأطلعه حيلة أخويه عليه ، وهما
إبراهيم والحسين ، فأراد القبض عليهما فحذرا وهربا .
ثم إن غلام
حمدان ونائبه
بالرحبة أخذ جميع ماله وهرب إلى أصحاب
أبي تغلب بحران ، وكانوا مع صاحبه
سلامة البرقعيدي ، فاضطر
حمدان إلى العود إلى
الرحبة ، وسار
أبو تغلب إلى
قرقيسيا ، وأرسل سرية عبروا
الفرات وكبسوا
حمدان بالرحبة ، وهو لا يشعر ، فنجا هاربا ، واستولى
أبو تغلب عليها ، وعمر سورها ، وعاد إلى
الموصل ،
[ ص: 285 ] ودخلها في ذي الحجة سنة ستين وثلاثمائة .
( وسار
حمدان إلى
بغداذ ، فدخلها آخر ذي الحجة سنة ستين ) [ وثلاثمائة ] ملتجئا إلى
بختيار ومعه أخوه
إبراهيم ، وكان أخوهما
الحسين قد عاد إلى أخيه
أبي تغلب مستأمنا ، وحمل
بختيار إلى
حمدان وأخيه
إبراهيم هدايا جليلة المقدار ، وأكرمهما واحترمهما .