ذكر
قتل نقفور ملك الروم
في هذه السنة قتل
نقفور ملك
الروم ، ولم يكن من أهل بيت المملكة ، وإنما كان دمستقا ، والدمستق عندهم الذي كان يلي بلاد
الروم التي هي شرقي خليج
القسطنطينية ، وأكثرها اليوم بيد أولاد
فلج أرسلان ، وكان كل من يليها يلقب بالدمستق ، وكان
نقفور هذا شديدا على المسلمين ، وهو الذي أخذ
حلب أيام
سيف الدولة فعظم شأنه عند
الروم ، وهو أيضا الذي فتح
طرسوس ،
والمصيصة ،
وأذنة ،
وعين زربة ، وغيرها .
ولم يكن نصراني الأصل ، وإنما هو من ولد رجل مسلم من أهل
طرسوس يعرف
بابن الفقاس تنصر ، وكان ابنه هذا شهما ، شجاعا ، حسن التدبير لما يتولاه . فلما عظم أمره وقوي شأنه قتل الملك الذي كان قبله ، وملك
الروم بعده . وقد ذكرنا هذا جميعه .
فلما ملك تزوج امرأة الملك المقتول على كره منها ، وكان لها من الملك المقتول ابنان ، وجعل
نقفور همته قصد بلاد الإسلام والاستيلاء عليها ، وتم له ما أراد باشتغال ملوك الإسلام بعضهم ببعض ، فدوخ البلاد وكان قد بنى أمره على أن يقصد سواد البلاد فينهبه ويخربه ، فيضعف البلاد فيملكها ، وغلب على ثغور
الجزرية والشامية وسبى ، وأسر ما يخرج عن الحصر ، وهابه المسلمون هيبة عظيمة ، ولم يشكوا في أنه يملك جميع
الشام ،
ومصر ،
والجزيرة وديار بكر لخلو الجميع من مانع .
[ ص: 294 ] فلما استفحل أمره أتاه أمر الله من حيث لم يحتسب ، وذلك أنه عزم على أن يخصي ابني الملك المقتول لينقطع نسلهما ، ولا يعارض أحد أولاده في الملك ، فلما علمت أمهما ذلك قلقت منه ، واحتالت على قتله ، فأرسلت إلى
ابن الشمشقيق ، وهو الدمستق حينئذ ، ووافقته على أن يصير إليها في زي النساء ومعه جماعة ، وقالت لزوجها إن نسوة من أهلها قد زاروها ، فلما صار إليها هو ومن معه جعلهم في بيعة تتصل بدار الملك ، وكان
الشمشقيق شديد الخوف منه لعظم هيبته ، فاستجاب للمرأة إلى ما دعته إليه ، فلما كان ليلة الميلاد من هذه السنة نام ، واستقل في نومه ، ففتحت امرأته الباب ودخلوا إليه فقتلوه ، وثار بهم جماعة من أهله وخاصته ، فقتل منهم نيف وسبعون رجلا ، وأجلس في الملك الأكبر من ولدي الملك المقتول ، وصار المدبر له
ابن الشمشقيق ، ويقال : إن
نقفور ما بات قط إلا بسلاح إلا تلك الليلة لما يريده الله تعالى من قتله وفناء أجله .