ذكر
خبر يوسف بلكين بن زيري بن مناد وأهل بيته
هو
يوسف بلكين بن زيري بن مناد الصنهاجي الحميري ، اجتمعت
صنهاجة ومن والاها
بالمغرب على طاعته ، قبل أن يقدمه
المنصور ، وكان أبوه مناد كبيرا في قومه ، كثير المال والولد ، حسن الضيافة لمن يمر به ، ويقدم ابنه
زيري في أيامه ، وقاد كثيرا من
[ ص: 307 ] صنهاجة ، وأغار بهم ، وسبى ، فحسدته
زناتة ، وجمعت له لتسير إليه وتحاربه ، فسار إليهم مجدا ، فكبسهم ليلا وهم غارون
بأرض مغيلة ، فقتل منهم كثيرا ، وغنم ما معهم ، فكثر تبعه ، فضاقت بهم أرضهم ، فقالوا له : لو اتخذت لنا بلدا غير هذا ، فسار بهم إلى موضع
مدينة أشير ، فرأى ما فيه من العيون ، فاستحسنه ، وبنى فيه
مدينة أشير ، وسكنها هو وأصحابه ، وكان ذلك سنة أربع وستين وثلاثمائة .
وكانت
زناتة تفسد في البلاد ، فإذا طلبوا احتموا بالجبال والبراري ، فلما بنيت أشير صارت
صنهاجة بين
زناتة والبربر ، فسر بذلك القائم .
وسمع
زيري بغمارة وفسادهم ، واستحلالهم المحرمات ، وأنهم قد ظهر فيهم نبي ، فسار إليهم وغزاهم ، وظفر بهم ، وأخذ الذي كان يدعي النبوة أسيرا ، وأحضر الفقهاء فقتله .
ثم كان له أثر حسن في حادثة
أبي يزيد الخارجي ، وحمل الميرة إلى
القائم بالمهدية ، فحسن موقعها منه .
ثم إن
زناتة حصرت
مدينة أشير ، فجمع لهم
زيري جموعا كثيرة ، وجرى بينهم عدة وقعات قتل فيها كثير من الفريقين ، ثم ظفر بهم واستباحهم .
ثم ظهر بجبل
أوراس رجل ، وخالف على
المنصور ، وكثر جمعه ، يقال له
سعيد بن يوسف ، فسير إليه
زيري ولده
بلكين في جيش كثيف ، فلقيه عند
باغاية ، واقتتلوا ، فقتل
الخارجي ومن معه من
هوارة وغيرهم ، فزاد محله عند
المنصور ، وكان له في فتح
مدينة فاس أثر عظيم ، على ما ذكرناه .
ثم إن
بلكين بن زيري قصد
محمد بن الحسين بن خزر الزناتي ، وقد خرج عن طاعة
المعز ، وكثر جمعه ، وعظم شأنه ، فظفر به
يوسف بلكين ، وأكثر القتل في أصحابه ، فسر
المعز بذلك سرورا عظيما لأنه كان يريد [ أن ] يستخلف
يوسف بلكين على الغرب لقوته ، وكثرة أتباعه ، وكان يخاف أن يتغلب على البلاد بعد مسيره عنها إلى
مصر . فلما استحكمت الوحشة بينه وبين
زناتة أمن تغلبه على البلاد .
ثم إن
جعفر بن علي ، صاحب مدينة
مسيلة وأعمال الزاب ، كان بينه وبين
زيري محاسدة ، فلما كثر تقدم
زيري عند
المعز ساء ذلك
جعفرا ، ففارق بلاده ولحق
بزناتة فقبلوه قبولا عظيما ، وملكوه عليهم عداوة
لزيري ، وعصى على
المعز ، فسار
زيري إليه
[ ص: 308 ] في جمع كثير من
صنهاجة وغيرهم ، فالتقوا في شهر رمضان ، واشتد القتال بينهم ، فكبا
بزيري فرسه ( فوقع ) فقتل ، ورأى
جعفر من
زناتة تغيرا عن طاعته ، وندما على قتل
زيري ، فقال لهم : إن ابنه
يوسف بلكين لا يترك ثأر أبيه ، ولا يرضى بمن قتل منكم ، والرأي أن نتحصن بالجبال المنيعة ، والأوعار ، فأجابوه إلى ذلك ، فحمل ماله وأهله في المراكب ، وبقي هو مع
الزناتيين ، وأمر عبيده ( في المراكب ) أن يعملوا في المراكب فتنة ، ففعلوا وهو يشاهدهم من البر ، فقال
لزناتة : أريد [ أن ] أنظر ما سبب هذا الشر ، فصعد المركب ، ونجا معهم ، وسار إلى
الأندلس إلى الحاكم الأموي ، فأكرمه ، وأحسن إليه ، وندمت
زناتة كيف لم يقتلوه ويغنموا ما معه .
ثم إن
يوسف بلكين جمع فأكثر ، وقصد
زناتة ، وأكثر القتل فيهم وسبى نساءهم ، وغنم أولادهم ، وأمر أن تجعل القدور على رءوسهم ، ويطبخ فيها ، ولما سمع
المعز بذلك سره أيضا ، وزاد في أقطاع
بلكين المسيلة وأعمالها ، وعظم شأنه ، ونذكر باقي أحواله بعد ملكه
إفريقية .