[ ص: 320 ] ذكر
ملك المعز دمشق وما كان فيها من الفتن
لما بلغ
المعز انهزام
القرمطي من
الشام ، وعوده إلى بلاده ، أرسل القائد
ظالم بن موهب العقيلي واليا على
دمشق ، فدخلها ، وعظم حاله ، وكثرت جموعه وأمواله وعدته ، لأن
أبا المنجى وابنه صاحبي
القرمطي كانا
بدمشق ، ومعهما جماعة من
القرامطة ، فأخذهم ظالم وحبسهم ، وأخذ أموالهم وجميع ما يملكون .
ثم إن القائد
أبا محمود الذي سيره
المعز يتبع
القرامطة وصل إلى
دمشق بعد وصول ظالم إليها بأيام قليلة ، فخرج ظالم متلقيا له مسرورا بقدومه ، لأنه كان مستشعرا من عود
القرمطي إليه ، فطلب منه أن ينزل بعسكره بظاهر
دمشق ، ففعل ، وسلم إليه
أبا المنجى وابنه ورجلا آخر يعرف
بالنابلسي ، وكان هرب من
الرملة ، وتقرب إلى
القرمطي ، فأسر
بدمشق أيضا ، فحملهم
أبو محمد إلى
مصر ، فسجن
أبو المنجى وابنه ، وقيل
للنابلسي : أنت الذي قلت : لو أن معي عشرة أسهم لرميت تسعة في المغاربة وواحدا في
الروم ؟ فاعترف ، فسلخ جلده وحشي تبنا وصلب .
ولما نزل
أبو محمود بظاهر دمشق امتدت أيدي أصحابه بالعيث والفساد ، وقطع الطرق ، فاضطرب الناس وخافوا ، ثم إن صاحب الشرطة أخذ إنسانا من أهل البلد فقتله ، فثار به الغوغاء والأحداث ، وقتلوا أصحابه ، وأقام ظالم بين الرعية يداريهم ، وانتزح أهل القرى منها لشدة نهب المغاربة أموالهم ، وظلمهم لهم . ودخلوا البلد ، فلما كان نصف شوال من السنة وقعت فتنة عظيمة بين عسكر
أبي محمود وبين العامة ، وجرى بين الطائفتين قتال شديد ، وظالم مع العامة يظهر أنه يريد الإصلاح ، ولم يكاشف
أبا محمود ، وانفصلوا .
ثم إن أصحاب
أبي محمود أخذوا من
الغوطة قفلا من
حوران ، وقتلوا منه ثلاثة نفر ، فأخذهم أهلوهم وألقوهم في الجامع ، فأغلقت الأسواق ، وخاف الناس ، وأرادوا القتال ، فسكنهم عقلاؤهم .
[ ص: 321 ] ثم إن المغاربة أرادوا نهب قينية واللؤلؤة ، فوقع الصائح في أهل البلد ، فنفروا ، وقاتلوا المغاربة في السابع عشر ذي القعدة ، وركب
أبو محمود في جموعه وزحف الناس بعضهم إلى بعض ، فقوي المغاربة ، وانهزم العامة إلى سور البلد ، فصبروا عنده ، وخرج إليهم من تخلف عنهم ، وكثر النشاب على المغاربة فأثخن فيهم ، فعادوا ، فتبعهم العامة ، فاضطروهم إلى العودة ، فعادوا ، وحملوا على العامة فانهزموا ، وتبعوهم إلى البلد ، وخرج ظالم من دار الإمارة .
وألقى المغاربة النار في البلد من ناحية باب
الفراديس ، وأحرقوا تلك الناحية فأخذت النار إلى القبلة فأحرقت من البلد كثيرا ، وهلك فيه جماعة من الناس ، وما لا يحد من الأثاث والرحال والأموال ، وبات الناس على أقبح صورة ، ثم إنهم اصطلحوا هم
وأبو محمود ، ثم انتقضوا ، ولم يزالوا كذلك إلى ربيع الآخر سنة أربع وستين وثلاثمائة .