ذكر
استيلاء عضد الدولة على ملك بني حمدان
لما انهزم
أبو تغلب وبختيار سار
عضد الدولة نحو
الموصل ، فملكها ثاني عشرة ذي القعدة ، وما يتصل بها ، وظن
أبو تغلب أنه كما كان غيره يفعل ، يقيم يسيرا ، ثم يضطر إلى المصالحة ، ويعود .
وكان
عضد الدولة أحزم من ذلك ، فإنه لما قصد
الموصل حمل معه الميرة والعلوفات ، ومن يعرف ولاية
الموصل وأعمالها ، وأقام
بالموصل مطمئنا ، وبث السرايا في طلب
أبي تغلب ، فأرسل
أبو تغلب يطلب أن يضمن البلاد ، فلم يجبه
عضد الدولة إلى ذلك ، وقال : هذه البلاد أحب إلي من
العراق .
وكان مع
أبي تغلب المرزبان بن بختيار ،
وأبو إسحاق ،
وأبو طاهر ابنا
معز الدولة ، ووالدتهما ، وهي أم
بختيار ، وأسبابهم ، فسار
أبو تغلب إلى
نصيبين ، فسير
عضد الدولة سرية عليها حاجبه
أبو حرب طغان إلى
جزيرة ابن عمر ، وسير في طلب
أبي تغلب سرية ، واستعمل عليها
أبا الوفاء طاهر بن محمد ، على طريق
سنجار ، فسار
أبو تغلب مجدا ، فبلغ
ميافارقين ، وأقام بها ومعه أهله ، فلما بلغه مسير
أبي الوفاء إليه سار نحو
بدليس ومعه النساء وغيرهن من أهله ، ووصل
أبو الوفاء إلى
ميافارقين ، فأغلقت دونه وهي حصينة من حصون
الروم القديمة ، وتركها وطلب
أبا تغلب .
[ ص: 361 ] ( وكان
أبو تغلب ) قد عدل من
أرزن الروم إلى
الحسنية من أعمال
الجزيرة وصعد إلى قلعة
كواشى وغيرها من قلاعه ، وأخذ ما له فيها من الأموال ، وعاد
أبو الوفاء إلى
ميافارقين وحصرها .
ولما اتصل
بعضد الدولة مجئ
أبي تغلب إلى قلاعه سار إليه بنفسه ، فلم يدركه ، ولكنه استأمن إليه أكثر أصحابه ، وعاد إلى
الموصل ، وسير في أثر
أبي تغلب عسكرا مع قائد من أصحابه يقال له
طغان ، فتعسف
أبو تغلب إلى
بدليس ، وظن أنه لا يتبعه أحد ، فتبعه
طغان ، فهرب من
بدليس وقصد بلاد
الروم ليتصل بملكهم المعروف
بورد الرومي ، وليس من بيت الملك ، وإنما تملك عليهم قهرا ، ( واختلف
الروم عليه ) ، ونصبوا غيره من أولاد ملوكهم ، فطالت الحرب بينهم ، فصاهر
ورد هذا
أبا تغلب ليتقوى به فقدر أن
أبا تغلب احتاج إلى الاعتضاد به .
ولما سار
أبو تغلب من
بدليس أدركه عسكر
عضد الدولة ، وهم حريصون على أخذ ما معه من المال ، فإنهم كانوا قد سمعوا بكثرته ، فلما وقعوا عليه نادى أميرهم : لا تتعرضوا لهذا المال ، فهو
لعضد الدولة ، ففتروا عن القتال .
فلما رآهم
أبو تغلب فاترين حمل عليهم فانهزموا ، فقتل منهم مقتلة عظيمة ونجا منهم ، فنزل
بحصن زياد ويعرف الآن
بخرتبرت ، وأرسل
ورد المذكور فعرفه ما هو بصدده من اجتماع
الروم عليه واستمده وقال : إذا فرغت عدت إليك . فسير إليه
أبو تغلب طائفة من عسكره ، فاتفق أن
وردا انهزم ، فلما علم
أبو تغلب بذلك يئس من نصره ، وعاد إلى بلاد الإسلام ، فنزل
بآمد ، وأقام بها شهرين إلى أن فتحت
ميافارقين .