[ ص: 363 ] 368
ثم دخلت سنة ثمان وستين وثلاثمائة
ذكر
فتح ميافارقين وآمد وغيرهما من ديار بكر على يد عضد الدولة
لما عاد
أبو الوفاء من طلب
أبي تغلب نازل
ميافارقين ، وكان الوالي عليها
هزارمرد ، فضبط البلد ، وبالغ في قتال
أبي الوفاء ثلاثة أشهر ، ثم مات
هزارمرد ، فكوتب
أبو تغلب بذلك ، فأمر أن يقام مقامه غلام من الحمدانية اسمه
مؤنس ( فولي البلد ) ولم يكن
لأبي الوفاء فيه حيلة ، فعدل عنه ، وأرسل رجلا من أعيان البلد اسمه
أحمد بن عبيد الله ، واستماله فأجابه ، وشرع في استمالة الرعية إلى
أبي الوفاء ، فأجابوه إلى ذلك ، وعظم أمره ، وأرسل إلى
مؤنس يطلب له الأمان ، فأرسل
أحمد بن عبيد الله إلى
أبي الوفاء في ذلك فأمنه ، وأمن سائر أهل البلد ، ففتح له البلد وسلمه إليه .
وكان
أبو الوفاء مدة مقامه على
ميافارقين قد بث سراياه في تلك الحصون المجاورة لها ، فافتتحها جميعها ، فلما سمع
أبو تغلب بذلك سار عن
آمد نحو
الرحبة ، هو وأخته
جميلة ، وأمر بعض أهله بالاستئمان إلى
أبي الوفاء ، ففعلوا ، ثم إن
أبا الوفاء سار إلى
آمد فحصرها ، فلما رأى أهلها ذلك سلكوا مسلك أهل
ميافارقين ، فسلموا البلد بالأمان فاستولى
أبو الوفاء على سائر
ديار بكر ، وقصده أصحاب
أبي تغلب وأهله مستأمنين إليه ، فأمنهم ، وأحسن إليهم ، وعاد إلى
الموصل .
وأما
أبو تغلب فإنه لما قصد
الرحبة أنفذ رسولا إلى
عضد الدولة يستعطفه ، ويسأله
[ ص: 364 ] الصفح ، فأحسن جواب الرسل ، وبذل له إقطاعا يرضيه ، على أن يطأ بساطه ، فلم يجبه
أبو تغلب إلى ذلك ، ( وسار إلى
الشام ، إلى العزيز بالله صاحب
مصر ) .
ذكر
فتح ديار مضر على يد عضد الدولة
كان متولي
ديار مضر لأبي تغلب بن حمدان سلامة البرقعيدي ، فأنفذ إليه
سعد الدولة بن سيف الدولة من
حلب جيشا ، فجرت بينهم حروب ، وكان
سعد الدولة قد كاتب
عضد الدولة ، وعرض نفسه عليه ، فأنفذ
عضد الدولة النقيب
أبا أحمد ، والد الرضي ، إلى البلاد التي بيد
سلامة ، فتسلمها بعد حرب شديدة ، ودخل أهلها في الطاعة ، فأخذ
عضد الدولة لنفسه
الرقة حسب ، ورد باقيها إلى
سعد الدولة فصارت له .
ثم استولى
عضد الدولة على
الرحبة ، وتفرغ بعد ذلك لفتح قلاعه وحصونه ، وهي
قلعة كواشى ، وكان فيها خزائنه وأمواله ،
وقلعة هرور والملاسي وبرقى والشعباني وغيرها من الحصون ، فلما استولى على جميع أعمال
أبي تغلب استخلف
أبا الوفاء على
الموصل ، وعاد إلى
بغداذ في سلخ ذي القعدة ، ولقيه الطائع لله ، وجمع من الجند وغيرهم .
ذكر
ولاية قسام دمشق لما فارق
الفتكين دمشق كما ذكرناه ، تقدم على أهلها
قسام ، وكان سبب تقدم
قسام أن
الفتكين قربه ووثق إليه ، وعول في كثير من أموره عليه ، فعلا ذكره وصيته ، وكثر أتباعه من الأحداث ، فاستولى على البلد وحكم فيه .
وكان القائد
أبو محمود قد عاد إلى البلد عليه واليا عليه للعزيز ، فلم يتم له مع
قسام أمر ، وكان لا حكم له ، ولم يزل أمر
قسام على
دمشق نافذا ، وهو يدعو
nindex.php?page=showalam&ids=14780للعزيز بالله العلوي . ووصل إليه
nindex.php?page=showalam&ids=14858أبو تغلب بن حمدان ، صاحب
الموصل ، منهزما كما ذكرناه ، فمنعه
[ ص: 365 ] قسام من دخول
دمشق ، وخافه على البلد أن يتولاه ، إما غلبة ، وإما بأمر العزيز ، فاستوحش (
أبو تغلب ) وجرى بين أصحابه وأصحاب
أبي تغلب شيء من قتال ، فرحل
أبو تغلب إلى
طبرية .
وورد من عند العزيز قائد اسمه
الفضل في جيش ، فحصر
قساما بدمشق ، فلم يظفر به ، فعاد عنه ، وبقي
قسام كذلك إلى سنة تسع وستين وثلاثمائة ، فسير من
مصر أميرا إلى
دمشق اسمه
سلمان بن جعفر بن فلاح ، فوصل إليها ، فنزل بظاهرها ، ولم يتمكن من دخولها ، وأقام في غير شيء ، فنهى الناس عن حمل السلاح ، فلم يسمعوا منه ، ووضع
قسام أصحابه على
سلمان ، فقاتلوه وأخرجوه من الموضع الذي كان فيه .
وكان
قسام بالجامع ، والناس عنده ، فكتب محضرا وسيره إلى العزيز يذكر أنه كان بالجامع عند هذه الفتنة ، ولم يشهدها ، وبذل من نفسه أنه إن قصده
عضد الدولة بن بويه أو عسكر له قاتله ، ( ومنعه من البلد ، فأغضى العزيز
لقسام على هذه الحال لأنه يخاف أن يقصد
عضد الدولة الشام ، فلما فارق
سلمان دمشق عاد إليها القائد
أبو محمود ، ولا حكم له ، والحكم جميعه
لقسام ) ، ( فدام ذلك ) .
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة
كانت زلازل شديدة كثيرة ، وكان أشدها بالعراق .
[ الوفيات ]
وفيها
توفي nindex.php?page=showalam&ids=14551القاضي أبو سعيد الحسن بن عبد الله السيرافي النحوي مصنف " شرح كتاب nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه " ، وكان فقيها ، فاضلا ، مهندسا منطقيا ، فيه كل فضيلة ، وعمره أربع وثمانون سنة ، وولي بعده
أبو محمد بن معروف الحاكم بالجانب الشرقي
ببغداذ .