ذكر
وصول ورد الرومي إلى ديار بكر وما كان منه
في هذه السنة وصل
ورد الرومي إلى
ديار بكر مستجيرا
بعضد الدولة ، وأرسل إليه يستنصره على ملوك
الروم ، ويبذل له الطاعة إذا ملك وحمل الخراج .
[ ص: 369 ] وكان سبب قدومه أن
أرمانوس ملك
الروم لما توفي خلف ولدين له صغيرين ، فملكا بعده ، وكان
نفقور ، وهو حينئذ
الدمستق ، قد خرج إلى بلاد الإسلام فنكى فيها وعاد ، فلما قارب
القسطنطينية بلغه موت
أرمانوس ، فاجتمع إليه الجند وقالوا : إنه لا يصلح للنيابة عن الملكين غيرك ، فإنهما صغيران ، فامتنع ، فألحوا عليه فأجابهم ، وخدم الملكين ، وتزوج بوالدتهما ، ولبس التاج .
ثم إنه جفا والدتهما ، فراسلت
ابن الشمشقيق في قتل
نقفور وإقامته مقامه ، فأجابها إلى ذلك ، وسار إليه سرا هو وعشرة رجال ، فاغتالوا
الدمستق فقتلوه ، واستولى
ابن الشمشقيق على الأمر ، وقبض على
لاون أخي
الدمستق ، وعلى
ورديس بن لاون ، واعتقله في بعض القلاع ، وسار إلى أعمال
الشام فأوغل فيها ، ونال من المسلمين ما أراد ، وبلغ إلى
طرابلس فامتنع عليه أهلها فحصرهم .
وكان لوالدة الملكين أخ خصي ، وهو حينئذ الوزير ، فوضع على
ابن الشمشقيق من سقاه سما ، فلما أحس به أسرع العود إلى
القسطنطينية ، فمات في طريقه .
وكان
ورد بن منير من أكابر أصحاب الجيوش وعظماء البطارقة ، فطمع في الأمر ، وكاتب
أبا تغلب بن حمدان وصاهره ، واستجاش بالمسلمين من الثغور ، فاجتمعوا عليه ، فقصد
الروم ، فأخرج إليه الملكان جيشا بعد جيش وهو يهزمهم ، فقوي جنانه وعظم شأنه ، وقصد
القسطنطينية ، فخافه الملكان ، فأطلقا
ورديس بن لاون ، وقدماه على الجيوش ، وسيراه لقتال
ورد ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، وطال الأمر بينهما ، ثم انهزم
ورد إلى بلاد الإسلام ، فقصد
ديار بكر ، ونزل بظاهر
ميافارقين ، وراسل
عضد الدولة ، وأنفذ إليه أخاه يبذل الطاعة والاستنصار به ، فأجابه إلى ذلك ووعده به .
ثم إن ملكي
الروم راسلا
عضد الدولة واستمالاه ، فقوي في نفسه ترجيح جانب الملكين ، وعاد عن نصرة
ورد ، وكاتب
أبا علي التميمي ، وهو حينئذ ينوب عنه
بديار بكر ، بالقبض على
ورد وأصحابه ، فشرع يدبر الحيلة عليه ، واجتمع إلى
ورد أصحابه وقالوا له :
[ ص: 370 ] إن ملوك
الروم قد كاتبوا
عضد الدولة وراسلوه في أمرنا ، ولا شك أنهم يرغبونه في المال وغيره فيسلمنا إليهم ، والرأي أن نرجع إلى بلاد
الروم على صلح إن أمكننا ، أو على حرب نبذل فيها أنفسنا ، فإما ظفرنا أو متنا كراما .
فقال : ما هذا رأي ، ولا رأينا من
عضد الدولة إلا الجميل ، ولا يجوز أن ننصرف عنه قبل أن نعلم ما عنده ، ففارقه في كثير من أصحابه ، فطمع فيه
nindex.php?page=showalam&ids=12088أبو علي التميمي ، وراسله في الاجتماع ، فأجابه في ذلك ، فلما اجتمع به قبض عليه ، وعلى ولده وأخيه ، وجماعة من أصحابه ، واعتقلهم
بميافارقين ثم حملهم إلى
بغداذ ، فبقوا في الحبس إلى أن فرج الله عنهم ، على ما نذكره ، وكان قبضه سنة سبعين وثلاثمائة .