ذكر
قصد عضد الدولة أخاه فخر الدولة وأخذ بلاده في هذه السنة سار
عضد الدولة إلى
بلاد الجبل ، فاحتوى عليها .
وكان سبب ذلك أن
بختيار بن معز الدولة كان يكاتب ابن عمه
فخر الدولة ، بعد موت
ركن الدولة ، ويدعوه إلى الاتفاق معه على
عضد الدولة ، فأجابه إلى ذلك واتفقا .
وعلم
عضد الدولة به ، فكتم ذلك إلى الآن ، فلما فرغ من أعدائه
كأبي تغلب ،
وبختيار ، وغيرهما ، ومات
حسنويه بن الحسين ، ظن
عضد الدولة أن الأمر يصلح بينه وبين أخويه ، فراسل أخويه
فخر الدولة ،
ومؤيد الدولة ،
وقابوس بن وشمكير .
[ ص: 372 ] فأما رسالته إلى أخيه
مؤيد الدولة ، فيشكره على طاعته وموافقته ، فإنه كان مطيعا له غير مخالف .
وأما إلى
فخر الدولة ، فيعاتبه ويستميله ، ويذكر له ما يلزمه به الحجة .
وأما إلى
قابوس ، فيشير عليه بحفظ العهود التي بينهما .
فأجاب
فخر الدولة جواب المناظر المناوئ ، ونسي كبر السن ، وسعة الملك وعهد أبيه .
وأما
قابوس فأجاب جواب المراقب . وكان الرسول
خواشاده ، وهو من أكابر أصحابه ، فاستمال أصحاب
فخر الدولة ، فضمن له الإقطاعات ، وأخذ عليهم العهود ، فلما عاد الرسول برز
عضد الدولة من
بغداذ على عزم المسير إلى الجبل وإصلاح تلك الأعمال ، وابتدأ فقدم العساكر بين يديه يتلو بعضها بعضا ، منهم
أبو الوفاء على عسكر ،
وخواشاده على عسكر ،
وأبو الفتح المظفر بن محمد في عسكر ، فسارت هذه العساكر ، وأقام هو بظاهر
بغداذ .
ثم سار
عضد الدولة ، فلقيته البشائر بدخول جيوشه
همذان ، واستئمان العدد الكثير من قواد
فخر الدولة ورجال
حسنويه ، ووصل إليه
أبو الحسن عبيد الله بن محمد بن حمدويه وزير
فخر الدولة ، ( ومعه جماهير أصحابه ، فانحل أمر
فخر الدولة ) ، وكان
بهمذان ، فخاف من أخيه ، وتذكر قتل ابن عمه
بختيار ، فخرج هاربا ، وقصد بلد
الديلم ، ثم خرج منها إلى
جرجان ، فنزل على
شمس المعالي قابوس بن وشمكير ، والتجأ إليه فأمنه وآواه ، وحمل إليه فوق ما حدث به نفسه ، وشركه فيما تحت يده من ملك وغيره .
وملك
عضد الدولة ما كان بيد
فخر الدولة همذان ،
والري ، وما بينهما من البلاد ( وسلمها إلى أخيه
مؤيد الدولة بن بويه ، وجعله خليفته ونائبه في تلك البلاد ) ، ونزل
الري ، واستولى على تلك النواحي .
ثم عرج
عضد الدولة إلى ولاية
حسنويه الكردي ، فقصد
نهاوند ، وكذلك
الدينور ،
وقلعة سرماج ، وأخذ ما فيها من ذخائر
حسنويه ، وكانت جليلة المقدار ، وملك معها عدة
[ ص: 373 ] من قلاع
حسنويه ، ولحقه في هذه السفرة صرع ، وكان هذا قد أخذه
بالموصل ، وحدث به فيها ، فكتمه ، وصار كثير النسيان لا يذكر الشيء إلا بعد جهد ، وكتم ذلك أيضا ، وهذا دأب الدنيا لا تصفو لأحد .
وأتاه أولاد
حسنويه ، فقبض على
عبد الرزاق ،
وأبي العلاء ،
وأبي عدنان ، وأحسن إلى
بدر بن حسنويه ، وخلع عليه ، وولاه رعاية
الأكراد ، ( هذا آخر ما في " تجارب الأمم " تأليف
أبي علي بن مسكويه ) .