ذكر
قتل الأمير أبي القاسم أمير صقلية وهزيمة الفرنج
في هذه السنة ، في ذي القعدة ، سار الأمير
أبو القاسم ، أمير
صقلية ، من المدينة يريد الجهاد .
وسبب ذلك أن ملكا من ملوك
الفرنج ، يقال له
بردويل ، خرج في جموع كثيرة
[ ص: 384 ] من
الفرنج إلى
صقلية ، فحصر
قلعة ملطة ، وملكها ، وأصاب سريتين للمسلمين ، فسار الأمير
أبو القاسم بعساكره ليرحله عن القلعة ، فلما قاربها خاف وجبن فجمع وجوه أصحابه ، وقال لهم : إني راجع من مكاني هذا فلا تكسروا علي رأيي . فرجع هو وعساكره .
وكان أسطول الكفار يساير المسلمين في البحر ، فلما رأوا المسلمين راجعين أرسلوا إلى
بردويل ، ملك
الروم ، يعلمونه ويقولون له : إن المسلمين خائفون منك ، فالحق بهم فإنك تظفر . فجرد الفرنجي عسكره من أثقالهم ، وسار جريدة ، وجد في السير ، فأدركهم في العشرين من المحرم سنة اثنتين وسبعين [ وثلاثمائة ] ، فتعبأ المسلمون للقتال ، واقتتلوا ، واشتدت الحرب بينهم ، فحملت طائفة من
الفرنج على القلب والأعلام ، فشقوا العسكر ووصلوا إليها ، وقد تفرق كثير من المسلمين عن أميرهم ، واختل نظامهم ، فوصل الفرنج إليه ، فأصابته ضربة على أم رأسه فقتل ، وقتل معه جماعة من أعيان الناس وشجعانهم .
ثم إن المنهزمين من المسلمين رجعوا مصممين على القتال ليظفروا أو يموتوا ، واشتد حينئذ الأمر ، وعظم الخطب على الطائفتين ، فانهزم
الفرنج أقبح هزيمة ، وقتل منهم نحو أربعة آلاف قتيل ، وأسر من بطارقتهم كثير وتبعوهم إلى أن أدركهم الليل ، وغنموا من أموالهم كثيرا . وأفلت ملك
الفرنج هاربا ومعه رجل يهودي كان خصيصا به ، فوقف فرس الملك ، فقال له اليهودي : اركب فرسي ، فإن قتلت فأنت لولدي فركبه الملك وقتل اليهودي ، فنجا الملك إلى خيامه وبها زوجته وأصحابه فأخذهم وعاد إلى
رومية .
ولما قتل الأمير
أبو القاسم كان معه ابنه
جابر ، فقام مقام أبيه ، ورحل بالمسلمين لوقتهم ، ولم يمكنهم من إتمام الغنيمة ، فتركوا كثيرا منها ، وسأله أصحابه ليقيم إلى أن يجمع السلاح وغيره ويعمر به الخزائن ، فلم يفعل .
[ ص: 385 ] وكانت ولاية
أبي القاسم على
صقلية اثنتي عشرة سنة وخمسة أشهر وخمسة أيام ، وكان عادلا ، حسن السيرة ، كثير الشفقة على رعيته والإحسان إليهم ، عظيم الصدقة ، لم يخلف دينارا ولا درهما ولا عقارا ، فإنه كان قد وقف جميع أملاكه على الفقراء وأبواب البر .