[ ص: 418 ] 377
ثم دخلت سنة سبع وسبعين وثلاثمائة
ذكر
الحرب بين بدر بن حسنويه وعسكر شرف الدولة
في هذه السنة جهز
شرف الدولة عسكرا كثيفا مع
قراتكين الجهشياري ، وهو مقدم عسكره وكبيرهم ، وأمرهم بالمسير إلى
بدر بن حسنويه وقتاله .
وسبب ذلك أن
شرف الدولة كان مغيظا حنقا على
بدر لانحرافه عنه ، وميله إلى عمه
فخر الدولة ، فلما استقر ملكه
ببغداذ وأطاعه الناس شرع في أمر
بدر ، وكان
قراتكين قد جاوز الحد في التحكم والإدلال ، وحماية الناس على نواب
شرف الدولة ، فرأى أن يخرجه في هذا الوجه ، فإن ظفر
ببدر شفى غيظه منه ، وإن ظفر به
بدر استراح منه .
فساروا نحو
بدر ، وتجهز
بدر وجمع العساكر ، وتلاقيا على الوادي
بقرميسين ، فلما اقتتلوا انهزم
بدر حتى توارى عنه ، وظن
قراتكين وأصحابه أنه مضى على وجهه ، فنزلوا عن خيولهم وتفرقوا في خيامهم ، فلم يلبثوا إلا ساعة حتى كر
بدر راجعا إليهم ، وأكب عليهم ، وأعجلهم عن الركوب ، وقتل منهم مقتلة عظيمة ، واحتوى على جميع ما في عسكرهم ، ونجا
قراتكين في نفر من غلمانه ، فبلغ جسر
النهروان ، وأقام به حتى اجتمع إليه المنهزمون ، ودخل
بغداذ .
واستولى
بدر بعد ذلك على
أعمال الجبل وما والاها ، وقويت شوكته .
وأما
قراتكين فإنه لما عاد من الهزيمة زاد إدلاله وتجنيه ، وأغرى العسكر
[ ص: 419 ] بالشغب ، والتوثب على الوزير
أبي منصور بن صالحان ، فلقوه بما يكره ، فلاطفهم ودفعهم ، وأصلح
لشرف الدولة بين الوزير وبين
قراتكين ، ( وشرع في إعمال الحيلة على
قراتكين ) ، فلم تمض غير أيام حتى قبض عليه وعلى جماعة من أصحابه وكتابه ، وأخذ أموالهم ، وشغب الجند لأجله ، فقتله
شرف الدولة ، فسكنوا ، وقدم عليهم
طغان الحاجب ، فصلحت طاعته .
ذكر
مسير المنصور بن يوسف لحرب كتامة
في هذه السنة جمع
المنصور ، صاحب
إفريقية ، عساكره وسار إلى
كتامة قاصدا حربها .
وسبب ذلك أن
العزيز بالله العلوي بمصر كان قد أرسل داعيا له إلى
كتامة ، يقال له
أبو الفهم ، واسمه حسن بن نصر ، يدعوهم إلى طاعته ، وغرضه أن تميل
كتامة إليه وترسل إليه جندا يقاتلون
المنصور ، ويأخذون
إفريقية منه ، لما رأى من قوته . فدعاهم
أبو الفهم ، فكثر تبعه ، وقاد الجيوش ، وعظم شأنه ، وعزم
المنصور على قصده ، فأرسل إلى
العزيز بمصر يعرفه الحال ، فأرسل
العزيز رسولين إلى
المنصور ينهاه عن التعرض
لأبي الفهم وكتامة ، وأمرهما أن يسيرا إلى
كتامة بعد الفراغ من رسالة
المنصور .
فلما وصلا إلى
المنصور وأبلغاه رسالة
العزيز أغلظ القول لهما
وللعزيز أيضا ، وأغلظا له ، فأمرهما بالمقام عنده بقية شعبان ورمضان ، ولم يتركهما يمضيان إلى
كتامة ، وتجهز لحرب
كتامة وأبي الفهم ، وسار بعد عيد الأضحى ، فقصد مدينة
ميلة ، وأراد قتل أهلها وسبي نسائهم وذراريهم ، فخرجوا إليه يتضرعون ويبكون فعفا عنهم ، ( وخرب سورها ، وسار منها إلى
كتامة والرسولان معه ) .
فكان لا يمر بقصر ولا منزل إلا هدمه ، حتى بلغ مدينة
سطيف ، وهي كرسي
[ ص: 420 ] عزهم ، فاقتتلوا عندها قتالا عظيما ، فانهزمت
كتامة ، وهرب
أبو الفهم إلى جبل وعر فيه ناس من
كتامة يقال لهم
بنو إبراهيم ، فأرسل إليهم
المنصور يتهددهم إن لم يسلموه ، فقالوا : هو ضيفنا ولا نسلمه ، ولكن أرسل أنت إليه فخذه ونحن لا نمنعه . فأرسل فأخذه ، وضربه ضربا شديدا ، ثم قتله وسلخه ، وأكلت
صنهاجة وعبيد
المنصور لحمه ، وقتل معه جماعة من الدعاة ووجوه
كتامة ، وعاد ( إلى
أشير ) ، ورد الرسولين إلى
العزيز ، فأخبراه بما فعل
بأبي الفهم ، وقالا : جئنا من عند شياطين يأكلون الناس . فأرسل
العزيز إلى
المنصور يطيب قلبه ، وأرسل إليه هدية ، ولم يذكر له
أبا الفهم .
ذكر
معاودة باذ القتال
في هذه السنة تجدد
لباذ الكردي طمع في بلاد
الموصل وغيرها .
وسبب ذلك أن
سعدا الحاجب الذي تقدم ذكره توفي
بالموصل ، فسير إليها
شرف الدولة أبا نصر خواشاذه ، وجهز إليه العساكر ، وكتب يستمد من
شرف الدولة العساكر والأموال ، فتأخرت الأموال عنه فأحضر العرب من
بني عقيل وأقطعهم البلاد ليمنعوا عنها ، وانحدر
باذ فاستولى على
طور عبدين ، ولم يقدر على النزول إلى الصحراء ، وأرسل أخاه في عسكر ، فقاتلوا العرب ، فقتل أخوه وانهزم عسكره ، وأقام بعضهم مقابل بعض .
فبينما هم كذلك أتاهم الخبر بموت
شرف الدولة ، فعاد
خواشاذه إلى
الموصل وأظهر موته ، وأقامت العرب بالصحراء تمنع
باذا من النزول إليها ،
وباذ بالجبل ، وكان
[ ص: 421 ] خواشاذه يصلح أمره ليعاود حرب
باذ ، فأتاه
إبراهيم وأبو الحسن ابنا
ناصر الدولة ، على ما نذكره إن شاء الله تعالى .
ذكر عدة
حوادث
في هذه السنة جلس
الطائع لله لشرف الدولة جلوسا عاما حضره أعيان الدولة ، وخلع عليه ، وحلف كل واحد منهما لصاحبه .
وفيها ولد
الأمير أبو علي الحسن بن فخر الدولة في رجب .
وفيها سار
nindex.php?page=showalam&ids=14620الصاحب بن عباد إلى
طبرستان فأصلحها ، ونفى المتغلبين عنها ، وفتح عدة حصون ( منها :
حصن قريم ) ، وعاد في سنته .
وفيها عصى
الأمير أبو منصور بن كوريكنج ، صاحب
قزوين ، على
فخر الدولة ، فلاطفه
فخر الدولة ، وبذل له الأمان والإحسان ، فعاد إلى طاعته .
وفيها ، في رمضان ، حدثت فتنة شديدة بين
الديلم والعامة بمدينة
الموصل ، قتل فيها مقتلة عظيمة ، ثم أصلح الحال بين الطائفتين .
وفيها تأخر المطر حتى انتصف كانون الثاني ، وغلت الأسعار
بالعراق وما يجاوره من البلاد ، واستسقى الناس مرتين فلم يسقوا ، حتى جاء المطر سابع عشر كانون الثاني ، وزال القنوط ، وتتابعت الأمطار .