ذكر
القبض على علي بن المسيب وما كان بعد ذلك في هذه السنة قبض
المقلد على أخيه
علي .
وكان سبب ذلك ما ذكرناه من الاختلاف الواقع بين أصحابهما
بالموصل ، واشتغل
المقلد بما ذكرناه
بالعراق ، فلما خلا وجهه وعاد إلى
الموصل عزم على الانتقام من أصحاب أخيه ، ثم خافه ، فأعمل الحيلة في قبض أخيه ، فأحضر عسكره من
الديلم والأكراد وأعلمهم أنه يريد قصد
دقوقا ، وحلفهم على الطاعة ، وكانت داره ملاصقة دار أخيه ، فنقب في الحائط ودخل إليه وهو سكران ، فأخذه وأدخله الخزانة ، وقبض عليه ، وأرسل إلى زوجته يأمرها بأخذ ولديه
قرواش وبدران واللحاق
بتكريت ، قبل أن يسمع أخوه
الحسن الخبر ، ففعلت ذلك ، وخلصت ، وكانت في
الحلة التي له على أربعة فراسخ من
تكريت .
وسمع
الحسن الخبر ، فبادر إلى
الحلة ليقبض أولاد أخيه ، فلم يجدهم وأقام
المقلد بالموصل يستدعي رؤساء العرب ويخلع عليهم ، فاجتمع عنده زهاء ألفي فارس ، وسار
الحسن في حلل أخيه ، ومعه أولاد أخيه
علي وحرمه ، ويستنفرهم على
المقلد ، فاجتمع معهم نحو عشرة آلاف ، وراسل
المقلد يؤذنه بالحرب ، فسار عن
الموصل ، وبقي بينهم منزل واحد ، ونزل بإزاء
العلث ، فحضره وجوه العرب ، واختلفوا عليه ، فمنهم من أشار بالحرب ومنهم
رافع بن محمد بن مقن ، ومنهم من أشار بالكف عن القتال ، وصلة الرحم ، ومنهم
غريب بن محمد بن مقن ، وتنازع هو وأخوه .
فبينما هم ( في ذلك ) قيل
لمقلد : إن أختك
رهيلة بنت المسيب تريد لقاءك
[ ص: 493 ] وقد جاءتك ، فركب وخرج إليها ، فلم تزل معه حتى أطلق أخاه
عليا ، ورد إليه ماله ومثله معه ، وأنزله في خيم ضربها له . فسر الناس بذلك ، وتحالفا ، وعاد
علي إلى حلته .
وعاد
المقلد إلى
الموصل ، وتجهز للمسير إلى
أبي الحسن علي بن مزيد الأسدي لأنه تعصب لأخيه
علي ، وقصد ولاية
المقلد بالأذى فسار إليه .
ولما خرج
علي من محبسه اجتمع العرب إليه ، وأشاروا عليه بقصد أخيه
المقلد ، فسار إلى
الموصل ، وبها أصحاب
المقلد ، فامتنعوا عليه ، فافتتحها فسمع
المقلد بذلك ، فعاد إليه ، واجتاز في طريقه بحلة أخيه
الحسن ، فخرج إليه ، ورأى كثرة عسكره ، فخاف على أخيه
علي منه ، فأشار عليه بالوقوف ليصلح الأمر ، وسار إلى أخيه
علي وقال له : إن الأعور ، يعني
المقلد قد أتاك بحده وحديده وأنت غافل ، وأمره بإفساد عسكر
المقلد ، فكتب إليهم ، فظفر
المقلد بالكتب فأخذها وسار مجدا إلى
الموصل ، فخرج إليه أخواه
علي والحسن وصالحاه ، ودخل
الموصل وهما معه .
ثم خاف
علي فهرب من
الموصل ليلا ، وتبعه
الحسن ، وترددت الرسل بينهم ، فاصطلحوا على أن يدخل أحدهما البلد في غيبة الآخر ، وبقوا كذلك إلى سنة تسع وثمانين [ وثلاثمائة ] .
ومات
علي سنة تسعين [ وثلاثمائة ] وقام
الحسن مقامه ، فقصده
المقلد ومعه
بنو خفاجة ، فهرب
الحسن إلى
العراق ، وتبعه
المقلد فلم يدركه فعاد .
ولما استقر أمر
المقلد ، بعد أخيه
علي ، سار إلى بلد
علي بن مزيد الأسدي فدخله ثانية ، والتجأ
ابن مزيد إلى
مهذب الدولة ، فتوسط ما بينه وبين
المقلد ، وأصلح الأمر معه ، وسار
المقلد إلى
دقوقا فملكها .