[ ص: 503 ] ذكر
استيلاء يمين الدولة محمود بن سبكتكين على خراسان لما قبض الأمير
منصور سار
محمود نحو
فائق وبكتوزون ، ومعهما
عبد الملك بن نوح ، فلما سمعوا بمسيره ساروا إليه ، فالتقوا
بمرو آخر جمادى الأولى ، واقتتلوا أشد قتال رآه الناس إلى الليل ، فانهزم
بكتوزون وفائق ومن معهما .
فأما
عبد الملك وفائق فإنهما لحقا
ببخارى ، وقصد
بكتوزون نيسابور ، وقصد
أبو القاسم بن سيمجور قهستان ، فرأى
محمود أن يقصد
بكتوزون وأبا القاسم ، ويعجلهما عن الاجتماع والاحتشاد فسار إلى
طوس ، فهرب منه
بكتوزون إلى نواحي
جرجان ، فأرسل
محمود خلفه أكبر قواده وأمرائه وهو
أرسلان الجاذب في عسكر جرار ، فاتبعه حتى ألحقه
بجرجان ، وعاد فاستخلفه
محمود على
طوس ، وسار إلى
هراة .
فلما علم
بكتوزون بمسير
محمود عن
نيسابور عاد إليها فملكها ، فقصده
محمود ، فأجفل من بين يديه إجفال الظليم ، واجتاز
بمرو فنهبها ، وسار عنها إلى
بخارى ، واستقر ملك
محمود بخراسان ، فأزال عنها اسم السامانية ، وخطب ( فيها
للقادر بالله ، وكان إلى هذا الوقت لا يخطب له فيها ، إنما كان يخطب )
للطائع لله ، واستقل بملكها منفردا ، وتلك سنة الله تعالى يؤتي الملك من يشاء ، وينزعه ممن يشاء .
وولى
محمود قيادة جيوش
خراسان أخاه
نصرا ، وجعله
بنيسابور على ما كان يليه
آل سيمجور للسامانية ، وسار هو إلى
بلخ ، مستقر والده ، فاتخذها دار ملك ، واتفق أصحاب الأطراف
بخراسان على طاعته
كآل فريغون ، أصحاب
الجوزجان ، ونحن نذكرهم إن شاء الله تعالى ،
وكالشار الشاه ، صاحب
غرشستان ، ونحن نذكر هاهنا
[ ص: 504 ] أخبار هذا الشار ، فاعلم أن هذا اللقب هو الشار ، لقب كل من يملك بلاد
غرشستان ، ككسرى
للفرس ، وقيصر
للروم ، والنجاشي
للحبشة ، وكان
الشار أبو نصر قد اعتزل الملك وسلمه إلى ولده
الشاه ، وفيه لوثة وهوج ، واشتغل والده
أبو نصر بالعلوم ومجالسة العلماء .
ولما عصى
أبو علي بن سيمجور على الأمير
نوح أرسل إلى
غرشستان من حصرها ، وأجلى عنها
الشاه الشار ووالده
أبا نصر ، فقصدا حصنا منيعا في آخر ولايتهما ، فتحصنا به إلى أن جاء
سبكتكين إلى نصرة الأمير
نوح ، فنزلا إليه وأعاناه على
أبي علي وعادا إلى ملكهما . فلما ملك الآن
يمين الدولة محمود خراسان أطاعاه وخطبا له .
ثم إن
يمين الدولة ، بعد هذا ، أراد الغزوة إلى
الهند ، فجمع لها وتجهز ، وكتب إلى
الشاه الشار يستدعيه ليشهد معه غزوته فامتنع وعصى ، فلما فرغ من غزوته ، سير إليه الجيوش ليملكوا بلاده ، فلما دخلوا البلاد طلب والده
أبو نصر الأمان ، فأجيب إلى ذلك ، وحمل إلى
يمين الدولة فأكرمه ، واعتذر
أبو نصر بعقوق ولده ، وخلافه عليه فأمره بالمقام
بهراة متوسعا عليه إلى أن مات سنة اثنتين وأربعمائة .
وأما ولده
الشاه ، فإنه قصد ذلك الحصن الذي احتمى به على
أبي علي ، فأقام به ومعه أمواله وأصحابه ، فحصره عسكر
يمين الدولة في حصنه ، ونصبوا عليه المجانيق ، وألحوا عليه بالقتال ليلا ونهارا ، فانهدمت أسوار حصنه ، وتسلق العسكر إليه ، فلما أيقن بالعطب طلب الأمان ، والعسكر يقاتله ، فلم يزل كذلك حتى أخذ أسيرا ، وحمل إلى
يمين الدولة ، فضرب تأديبا له ، ثم أودع السجن إلى أن مات ، وكان موته قبل موت والده .
ورأيت عدة مجلدات من كتاب " التهذيب "
للأزهري في اللغة بخطه ، وعليه ما
[ ص: 505 ] هذه نسخته : " يقول
محمد بن أحمد بن الأزهري : قرأ علي
الشار أبو نصر هذا الجزء من أوله إلى آخره ، وكتبه بيده صح " . فهذا يدل على اشتغاله وعلمه بالعربية ، فإن من يصحب مثل
الأزهري ، ويقرأ كتابه " التهذيب " ، يكون فاضلا .