ابن قصي
واسمه
زيد ، وكنيته أبو المغيرة ، وإنما قيل له
قصي لأن
ربيعة بن حرام بن ضنة بن [ ص: 621 ] عبد كبير بن عذرة بن سعد بن زيد تزوج أمه
فاطمة ابنة سعد بن سيل ، واسمه
جبر بن جمالة بن عوف ، وهي أيضا
أم أخيه زهرة ، ونقلها إلى بلاد
عذرة من مشارف
الشام ، وحملت معها
قصيا لصغره ، وتخلف
زهرة في قومه لكبره ، فولدت أمه
فاطمة لربيعة بن حرام رزاح بن ربيعة ، فهو أخي
قصي لأمه .
وكان
لربيعة ثلاثة نفر من امرأة أخرى ، وهم
حن بن ربيعة ومحمود وجلهمة .
وقيل : إن
حنا كان أخا
قصي لأمه . فشب
زيد في حجر
ربيعة ، فسمي
قصيا لبعده عن دار قومه ، وكان
قصي ينتمي إلى
ربيعة إلى أن كبر ، وكان بينه وبين رجل من
قضاعة شيء ، فعيره
القضاعي بالغربة ، فرجع
قصي إلى أمه وسألها عما قال ، فقالت له : يا بني أنت أكرم منه نفسا وأبا ، أنت
ابن كلاب بن مرة وقومك
بمكة عند
البيت الحرام .
فصبر حتى دخل الشهر الحرام ، وخرج مع حاج
قضاعة ، حتى قدم
مكة وأقام مع أخيه
زهرة ، ثم خطب إلى
حليل بن حبشية الخزاعي ابنته
حبى ، فزوجه ،
وحليل يومئذ يلي
الكعبة . فولدت أولاده :
عبد الدار ،
وعبد مناف ،
وعبد العزى ،
وعبد قصي ، وكثر ماله وعظم شرفه .
وهلك
حليل وأوصى بولاية البيت لابنته
حبى ، فقالت : إني لا أقدر على فتح الباب وإغلاقه ، فجعل فتح الباب وإغلاقه إلى ابنه
المحترش ، وهو أبو غبشان . فاشترى
قصي منه ولاية البيت بزق خمر وبعود ، فضربت به العرب المثل فقالت : " أخسر صفقة من
أبي غبشان " .
فلما رأت ذلك
خزاعة كثروا على
قصي ، فاستنصر أخاه رزاحا ، فحضر هو وإخوته الثلاثة فيمن تبعه من قضاعة إلى نصرته ، ومع
قصي قومه
بنو النضر ، وتهيأ لحرب
خزاعة وبني بكر ، وخرجت إليهم
خزاعة فاقتتلوا قتالا شديدا ، فكثرت القتلى في الفريقين والجراح ، ثم تداعوا إلى الصلح على أن يحكموا بينهم
عمرو بن عوف بن كعب بن ليث بن بكر بن عبد مناف بن كنانة ، فقضى بينهم بأن
قصيا أولى بالبيت
ومكة من
[ ص: 622 ] خزاعة ، وأن كل دم أصابه من
خزاعة وبني بكرة موضوع فيشدخه تحت قدميه ، وأن كل دم أصابت
خزاعة وبنو بكر من
قريش وبني كنانة ففي ذلك الدية مؤداة ، فسمي
بعمرو الشداخ بما شدخ من الدماء وما وضع منها . فولي
قصي البيت وأمر
مكة .
وقيل : إن
حليل بن حبشية أوصى
قصيا بذلك وقال : أنت أحق بولاية البيت من
خزاعة . فجمع قومه وأرسل إلى أخيه يستنصره ، فحضر في
قضاعة في الموسم ، وخرجوا إلى
عرفات ، وفرغوا من الحج ونزلوا
منى وقصي مجمع على حربهم ، وإنما ينتظر فراغ الناس من حجهم .
فلما نزلوا
منى ولم يبق إلا الصدر ، وكانت صوفة تدفع بالناس من
عرفات وتجيزهم إذا تفرقوا من
منى ، إذا كان يوم النفر أتوا لرمي الجمار ، ورجل من
صوفة يرمي للناس لا يرمون حتى يرمي ، فإذا فرغوا من
منى أخذت صوفة بناحيتي
العقبة وحبسوا الناس ، فقالوا : " أجيزي صوفة " ، فإذا نفرت صوفة ومضت خلي سبيل الناس فانطلقوا بعدهم . فلما كان ذلك العام فعلت صوفة كما كانت تفعل ، قد عرفت لها العرب ذلك ، فهو دين في أنفسهم ، فأتاهم
قصي ومن معه من قومه ومن
قضاعة فمنعهم وقال : نحن أولى بهذا منكم . فقاتلوه وقاتلهم قتالا شديدا ، فانهزمت
صوفة ، وغلبهم
قصي على ما كان بأيديهم ، وانحازت عند ذلك
خزاعة وبنو بكر وعرفوا أنه سيمنعهم كما منع
صوفة . فلما انحازوا عنه بادأهم فقاتلهم ، فكثر القتل في الفريقين وأجلى
خزاعة عن البيت ، وجمع
قصي قومه إلى
مكة من الشعاب والأودية والجبال ، فسمي مجمعا ، ونزل
بني بغيض بن عامر بن لؤي وبني تيم الأدرم بن غالب بن فهر وبني محارب بن فهر وبني الحارث بن فهر ، إلا
بني هلال بن أهيب رهط
nindex.php?page=showalam&ids=5أبي عبيدة بن الجراح وإلا رهط
nindex.php?page=showalam&ids=360عياض بن غنم ، بظواهر
مكة ، فسموا
قريش الظواهر ، وتسمى سائر بطون
قريش قريش البطاح ، وكانت
قريش الظواهر تغير وتغزو ، وتسمى
قريش البطاح الضب للزومها الحرم .
[ ص: 623 ] فلما ترك
قصي قريشا بمكة وما حولها ملكوه عليهم . فكان أول ولد
كعب بن لؤي أصاب ملكا أطاعه به قومه ، وكان إليه الحجابة والسقاية والرفادة والندوة واللواء ، فحاز شرف
قريش كله ، وقسم
مكة أرباعا بين قومه ، فبنوا المساكن واستأذنوه في قطع الشجر ، فمنعهم ، فبنوا والشجر في منازلهم ، ثم إنهم قطعوه بعد موته .
وتيمنت
قريش بأمره فما تنكح امرأة ولا رجل إلا في داره ، ولا يتشاورون في أمر ينزل بهم إلا في داره ، ولا يعقدون لواء للحرب إلا في داره ، يعقده بعض ولده ، وما تدرع جارية إذا بلغت أن تدرع إلا في داره ، وكان أمره في قومه كالدين المتبع في حياته وبعد موته . فاتخذ دار الندوة وبابها في المسجد ، وفيها كانت
قريش تقضي أمورها .
فلما كبر
قصي ورق ، وكان ولده
عبد الدار أكبر ولده ، وكان ضعيفا ، وكان
عبد مناف قد ساد في حياة أبيه وكذلك إخوته ، قال
قصي لعبد الدار : والله لألحقنك بهم ! فأعطاه دار الندوة والحجابة ، وهي حجابة
الكعبة ، واللواء ، وهو كان يعقد
لقريش ألويتهم والسقاية ، كان يسقي الحاج ، والرفادة ، وهي خرج تخرجه
قريش في كل موسم من أموالها إلى
قصي بن كلاب فيصنع منه طعاما للحاج يأكله الفقراء ، وكان
قصي قد قال لقومه : إنكم جيران الله وأهل بيته ، وإن الحاج ضيف الله وزوار بيته ، وهم أحق الضيف بالكرامة ، فاجعلوا لهم طعاما وشرابا أيام الحج . ففعلوا فكانوا يخرجون من أموالهم فيصنع به الطعام أيام
منى ، فجرى الأمر على ذلك في الجاهلية والإسلام إلى الآن ، فهو الطعام الذي يصنعه الخلفاء كل عام
بمنى .
فأما الحجابة فهي في ولده إلى الآن ، وهم
بنو شيبة بن عثمان بن أبي طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار .
وأما اللواء فلم يزل في ولده إلى أن جاء الإسلام ، فقال
بنو عبد الدار : يا رسول الله اجعل اللواء فينا . فقال : " الإسلام أوسع من ذلك " . فبطل .
وأما الرفادة والسقاية فإن
بني عبد مناف بن قصي :
عبد شمس ،
وهاشم ،
والمطلب ،
ونوفل ، أجمعوا أن يأخذوها من
بني عبد الدار لشرفهم عليهم وفضلهم ، فتفرقت عند ذلك
قريش ، فكانت طائفة مع
بني عبد مناف ، وطائفة مع
بني عبد الدار لا
[ ص: 624 ] يرون تغيير ما فعله
قصي ، وكان صاحب أمر
بني عبد الدار عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار .
فكان
بنو أسد بن عبد العزى ،
وبنو زهرة بن كلاب ،
وبنو تيم بن مرة ،
وبنو الحارث بن فهر مع
بني عبد مناف ، وكان
بنو مخزوم ،
وبنو سهم ،
وبنو جمح ،
وبنو عدي مع
بني عبد الدار ، فتحالف كل قوم حلفا مؤكدا ، وأخرج
بنو عبد مناف جفنة مملوءة طيبا فوضعوها عند
الكعبة وتحالفوا وجعلوا أيديهم في الطيب ، فسموا
المطيبين . وتعاقد
بنو عبد الدار ومن معهم وتحالفوا فسموا الأحلاف ، وتعبوا للقتال ، ثم تداعوا إلى الصلح على أن يعطوا
بني عبد مناف السقاية والرفادة ، فرضوا بذلك وتحاجز الناس عن الحرب واقترعوا عليها ، فصارت
لهاشم بن عبد مناف ، ثم بعده
للمطلب بن عبد مناف ، ثم
لأبي طالب بن عبد المطلب ، ولم يكن له مال فادان من أخيه
nindex.php?page=showalam&ids=18العباس بن عبد المطلب بن عبد مناف مالا فأنفقه ، ثم عجز عن الأداء فأعطى
العباس السقاية والرفادة عوضا عن دينه ، فوليها ، ثم ابنه
عبد الله ، ثم
علي بن عبد الله ، ثم
محمد بن علي ، ثم
داود بن علي بن سليمان بن علي ، ثم وليها
المنصور وصار يليها الخلفاء .
وأما دار الندوة فلم تزل
لعبد الدار ، ثم لولده حتى باعها
عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار من
معاوية فجعلها دار الإمارة
بمكة ، وهي الآن في
الحرم معروفة مشهورة .
ثم هلك
قصي فأقام أمره في قومه من بعده ولده ، وكان
قصي لا يخالف سيرته وأمره ، ولما مات دفن بالحجون ، فكانوا يزورون قبره ويعظمونه .
وحفر
بمكة بئرا سماها العجول ، وهي أول بئر حفرتها
قريش بمكة .
[ ص: 625 ] ( سيل : بفتح السين المهملة ، والياء المثناة التحتية . وحرام : بفتح الحاء والراء المهملتين . ورزاح : بكسر الراء ، وفتح الزاي ، وبعد الألف حاء مهملة . وحبى : بضم الحاء المهملة ، وتشديد الباء الموحدة . وملكان : بكسر الميم ، وسكون اللام . وأما
ملكان بن حزم بن ريان ،
وملكان بن عباد بن عياض ، فهما بفتح الميم واللام ) .