ذكر
وثوب أهل الموصل بالغز وما كان منهم
قد ذكرنا ملك
الغز الموصل ، فلما استقروا فيها قسطوا على أهلها عشرين ألف دينار وأخذوها ، ثم تتبعوا الناس وأخذوا كثيرا من أموالهم بحجة أموال العرب ، ثم
[ ص: 724 ] قسطوا أربعة آلاف دينار أخرى ، فحضر جماعة من
الغز عند
ابن فرغان الموصلي ، وطالبوا إنسانا بحضرته ، وأساءوا الأدب والقول .
وجرى بين بعض
الغز وبعض
المواصلة مشاجرة ، فجرحه
الغزي وقطع شعره ، وكان
للموصلي والدة سليطة فلطخت وجهها بالدم ، وأخذت الشعر بيدها وصاحت : المستغاث بالله وبالمسلمين ، قد قتل لي ابن وهذا دمه ، وابنة وهذا شعرها ! وطافت في الأسواق ، فثار الناس وجاءوا إلى
ابن فرغان ، فقتلوا من عنده من
الغز وقتلوا من ظفروا به منهم ثم حصروهم في دار ، فقاتلوا من بسطحها فنقب الناس عليهم الدار وقتلوهم جميعهم ، غير سبعة أنفس منهم
أبو علي ومنصور ، فخرج
منصور إلى
الحصباء ، ولحق به من سلم منهم .
وكان
كوكتاش قد فارق
الموصل في جمع كثير ، فأرسلوا إليه يعلمونه الحال ، فعاد إليهم ، ودخل البلد عنوة في الخامس والعشرين من رجب سنة خمس وثلاثين [ وأربعمائة ] ، ووضعوا السيف في أهله ، وأسروا كثيرا ، ونهبوا الأموال ، وأقاموا على ذلك اثني عشر يوما يقتلون وينهبون ، وسلمت
سكة أبي نجيح ، فإن أهلها أحسنوا إلى
الأمير منصور ، فرعى لهم ذلك ، والتجأ من سلم إليها ، وبقي القتلى في الطريق ، فأنتنوا لعدم من يواريهم ، ثم طرحوا بعد ذلك كل جماعة في حفيرة . وكانوا يخطبون للخليفة ، ثم
لطغرلبك .
لما طال مقامهم بهذه البلاد ، وجرى منهم مما ذكرناه ، كتب الملك
جلال الدولة بن بويه إلى
طغرلبك يعرفه ما يجري منهم ، وكتب إليه
nindex.php?page=showalam&ids=17201نصر الدولة بن مروان يشكو منهم ، فكتب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=17201نصر الدولة يقول له : بلغني أن عبيدنا قصدوا بلادك ، وأنك صانعتهم بمال بذلته لهم ، وأنت صاحب ثغر ينبغي أن تعطى ما تستعين به على قتال الكفار ، ويعده أنه يرسل إليهم يرحلهم من بلده .
وكانوا يقصدون
بلاد الأرمن ، وينهبون ويسبون ، حتى إن الجارية الحسناء بلغت قيمتها خمسة دنانير ، وأما الغلمان فلا يرادون . فأما كتاب
طغرلبك إلى
جلال الدولة [ ص: 725 ] فيعتذر بأن هؤلاء
التركمان كانوا لنا عبيدا ، وخدما ، ورعايا ، وتبعا ، يمتثلون الأمر ، ويخدمون الباب ، ولما نهضنا لتدبير خطب
آل محمود بن سبكتكين وانتدبنا لكفاية أمر
خوارزم ، انحازوا إلى
الري فعاثوا فيها ، وأفسدوا ، فزحفنا بجنودنا من
خراسان إليهم مقدرين أنهم يلجأون إلى الأمان ، ويلوذون بالعفو والغفران ، فملكتهم الهيبة ، وزحزحتهم الحشمة ، ولا بد من أن نردهم إلى راياتنا خاضعين ، ونذيقهم من بأسنا جزاء المتمردين ، قربوا أم بعدوا ، أغاروا أم أنجدوا .