ذكر
خروج ملك الروم إلى الشام وانهزامه
في هذه السنة خرج ملك
الروم من القسطنطينية في ثلاثمائة ألف مقاتل إلى
الشام ، ( فلم يزل [ يسير ] بعساكره ) حتى بلغوا قريب
حلب ، ( وصاحبها
شبل الدولة نصر بن صالح بن مرداس ) ، فنزلوا على يوم منها ، فلحقهم عطش شديد ، وكان الزمان صيفا ، وكان أصحابه مختلفين عليه ، فمنهم من يحسده ، ومنهم من يكرهه .
وممن كان معه
ابن الدوقس ، وهو من أكابرهم ، وكان يريد هلاك الملك ليملك
[ ص: 737 ] بعده ، فقال الملك : الرأي أن نقيم حتى تجيء الأمطار وتكثر المياه . فقبح
ابن الدوقس هذا الرأي ، وأشار بالإسراع قصدا لشر يتطرق إليه ، ولتدبير كان قد دبره عليه . فسار ، ففارقه
ابن الدوقس ،
وابن لؤلؤ في عشرة آلاف فارس ، وسلكوا طريقا آخر ، فخلا بالملك بعض أصحابه وأعلمه أن
ابن الدوقس وابن لؤلؤ قد حالفا أربعين رجلا ، هو أحدهم ، على الفتك به ، واستشعر من ذلك وخاف ، ورحل من يومه راجعا .
ولحقه
ابن الدوقس ، وسأله عن السبب الذي أوجب عوده ، فقال له : قد اجتمعت علينا العرب وقربوا منا وقبض في الحال على
ابن الدوقس وابن لؤلؤ وجماعة معهما ، فاضطرب الناس واختلفوا ، ورحل الملك ، وتبعهم العرب وأهل السواد حتى
الأرمن يقتلون وينهبون ، وأخذوا من الملك أربعمائة بغل محملة مالا وثيابا ، وهلك كثير من
الروم عطشا ، ونجا الملك وحده ، ولم يسلم معه من أمواله وخزائنه شيء ألبتة وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا .
وقيل في عوده غير ذلك ، وهو أن جمعا من العرب ليس بالكثير عبر على عسكره ، وظن
الروم أنها كبسة ، فلم يدروا ما يفعلون ، حتى إن ملكهم لبس خفا أسود ، وعادة ملوكهم لبس الخف الأحمر ، فتركه ولبس الأسود ليعمى خبره على من يريده ، وانهزموا ، وغنم المسلمون جميع ما كان معهم .