[ ص: 788 ] 430
ثم دخلت سنة ثلاثين وأربعمائة
ذكر
وصول الملك مسعود من غزنة إلى خراسان وإجلاء السلجقية عنها في صفر من هذه السنة وصل الملك
مسعود إلى
بلخ من
غزنة وزوج ( ابنه من ) ابنة بعض ملوك الخانية ، كان يتقي جانبه ، وأقطع
خوارزم لشاه ملك الجندي ، فسار إليها ، وبها
خوارزمشاه إسماعيل بن ألتونتاش ، فجمع أصحابه ، ولقي
شاه ملك وقاتله ، ودامت الحرب بينهما مدة شهر ، وانهزم
إسماعيل والتجأ إلى
طغرلبك وأخيه
داود السلجقية ، وملك
شاه ملك خوارزم .
وكان مسير
مسعود من
غزنة أول سنة ثمان وعشرين [ وأربعمائة ] ; وسبب خروجه ما وصل إليه من أخبار
الغز ، وما فعلوه بالبلاد وأهلها من الإخراب والقتل والسبي والاستيلاء ، وأقام
ببلخ حتى أراح واستراح ، وفرغ من أمر
خوارزم والخانية ثم أمد
سباشي الحاجب بعسكر ليتقوى بهم ويهتم بأمر
الغز واستئصالهم ، فلم يكن عنده من الكفاية ما يقهرهم بل أخلد إلى المطاولة التي هي عادته .
وسار
مسعود بن سبكتكين من
بلخ بنفسه ، وقصد سرخس ، فتجنب
الغز لقاءه ، وعدلوا إلى المراوغة والمخاتلة ، وأظهروا العزم على دخول المفازة التي بين
مرو وخوارزم ، فبينما عساكر
مسعود تتبعهم وتطلبهم إذ لقوا طائفة منهم فقاتلوهم وظفروا بهم وقتلوا منهم .
[ ص: 789 ] ثم إنه واقعهم بنفسه ، في شعبان من هذه السنة ، وقعة استظهر [ فيها ] عليهم ، فأبعدوا عنه ، ثم عاودوا القرب منه بنواحي
مرو ، فواقعهم وقعة أخرى قتل منهم [ فيها ] نحو ألف وخمسمائة قتيل ، وهرب الباقون فدخلوا البرية التي يحتمون بها .
وثار
أهل نيسابور بمن عندهم منهم ، فقتلوا بعضا وانهزم الباقون إلى أصحابهم بالبرية . وعدل
مسعود إلى
هراة ليتأهب في العساكر للمسير خلفهم وطلبهم أين كانوا ، فعاد
طغرلبك إلى الأطراف النائية عن
مسعود . فنهبها وأثخن فيها ، وكان الناس قد تراجعوا فملئوا أيديهم من الغنائم ، فحينئذ سار
مسعود يطلبه ، فلما قاربه انزاح
طغرلبك من بين يديه إلى أستوا وأقام بها ، وكان الزمان شتاء ، ظنا منه أن الثلج والبرد يمنع عنه ، فطلبه
مسعود إليها ففارقه
طغرلبك وسلك الطريق على طوس ، واحتمى بجبال منيعة ، ومضايق صعبة المسلك ، فسير
مسعود في طلبه وزيره
أحمد بن محمد بن عبد الصمد في عساكر كثيرة ، فطوى المراحل إليه جريدة ، فلما رأى
طغرلبك قربه منه فارق مكانه إلى نواحي
أبيورد .
وكان
مسعود قد سار ليقطعه عن جهة إن أرادها فلقي
طغرلبك مقدمته فواقعهم فانتصروا عليه ، واستأمن من أصحابه جماعة كثيرة ، ورأى الطلب له من كل جانب ، فعاود دخول المفازة إلى
خوارزم وأوغل فيها .
فلما فارق
الغز خراسان قصد
مسعود جبلا من جبال
طوس منيعا لا يرام ، وكان أهله قد وافقوا
الغز وأفسدوا معهم ، فلما فارق
الغز تلك البلاد تحصن هؤلاء بجبلهم ثقة منهم بحصانته وامتناعه ، فسرى
مسعود إليهم جريدة ، فلم يرعهم إلا وقد خالطهم ، فتركوا أهلهم وأموالهم وصعدوا إلى قلة الجبل واعتصموا بها وامتنعوا ، وغنم عسكر
مسعود أموالهم وما ادخروه .
ثم أمر
مسعود أصحابه أن يزحفوا إليهم في قلة الجبل ، وباشر هو القتال بنفسه ، فزحف الناس إليهم ، وقاتلوهم قتالا لم يروا مثله ، وكان الزمان شتاء ، والثلج
[ ص: 790 ] على الجبل كثيرا ، فهلك من العسكر في مخارم الجبل وشعابه كثير ، ثم إنهم ظفروا بأهله وأكثروا فيهم القتل والأسر وفرغوا منهم ، وأراحوا المسلمين من شرهم .
وسار
مسعود إلى
نيسابور في جمادى الأولى سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة ، ليريح ويستريح ، وينتظر الربيع ليسير خلف
الغز ، ويطلبهم في المفاوز التي احتموا بها . وكانت هذه الوقعة ، إجلاء
الغز عن
خراسان ، سنة إحدى وثلاثين ، على ما نذكره إن شاء الله تعالى .